سوريا..لعبة روليت روسية

ساطع نور الدين
الخميس   2019/09/26
ما بين اللهو والجدّ شعرة تجسدها لجنة صياغة دستور سوريا التي أبصرت النور قبل أيام بمخاض عسير، إمتد نحو عامين، ويمهد لولادة قيصرية يمكن ان تستغرق أقل من عامين أو أكثر من عقدين..حسب التقويم الروسي الغريب.
  

اللجنة المكونة من 150 عضواً يتوزعون على ثلاث وحدات تمثيلية، النظام والمعارضة والمستقلين، هي حصيلة طبيعية لموازين القوى العسكرية والسياسية وربما ايضا الشعبية، التي شهدت في السنوات الاربع الماضية اختلالات جذرية، لم يتمكن النظام من إستثمارها حتى الآن على النحو الذي ينشده ويتمناه، بما يلغي الفريقين الاخرين في اللجنة وينكر حقهما في المشاركة، الصورية على الاقل، في إعداد نص يفترض ان يحدد مستقبل سوريا.

هي إذاً، خطوة بسيطة الى الوراء من قبل النظام الذي لم يكن يخفي رفضه الدخول في لجنة مشتركة مع معارضين ومستقلين، تعيد كتابة دستور كتب قبل سبعة أعوام فقط، ولم يجف حبره بعد..وظل حتى اللحظة الاخيرة يعارض إشراف الامم المتحدة على اللجنة، وإيراد قرار مجلس الامن الدولي  2254 كأحد مراجعها الارشادية، ويصر على ان تنعقد جلساتها في دمشق حصراً.. وسواها الكثير من الشروط، التي رحب بها الايرانيون دوما، وتحفظ عليها الروس كثيراً.

وهي أيضاً، خطوة بسيطة الى الامام بالنسبة الى المعارضة الشرعية التي تكاد تفقد حقها بالوجود، بعدما تلاشت صلتها مع البيئة السورية المعارِضة، الموزعة بين الداخل المتورط في مصالحات عجيبة مع النظام، او المنغمس في معركة إسلامية يائسة مع النظام وحلفائه الروس والايرانيين، وبين الخارج المحطم بالنفي والهجرة والضياع. اللجنة الدستورية فرصة متواضعة لتلك المعارضة الشرعية لإستعادة الاسم والدور، وربما ما هو أكثر..إذا حالفها الحظ.

واللجنة هي أيضاً مناسبة عابرة، للتعرف على تلك الشريحة الوسطية من المستقلين، التي كان حجمها يكبر او يصغر بحسب المعطيات الواردة من ميادين القتال، ونتيجة الفظائع التي يرتكبها النظام أوالمعارضة، والتي تفاقمت عندما إنحصر الصراع العسكري بتشكيلات إسلامية لا تمت الى الثورة السورية الاصلية بأي صلة، ولا تمثل من الواقع السوري سوى أشلاء صراع ثأري قديم، يعري أسوأ العلل الطائفية والمذهبية التي إستمدت من حلفاء الخارج وتنافسهم على سوريا زخماً إضافياً.

الجدل داخل جبهة النظام من جهة وفي صفوف المعارضة من جهة أخرى حول جدوى المشاركة في هذه الملهاة الجديدة يمكن ان يساعد في الحكم على مدى إستقلالية هذا الفريق من المستقلين، وشرعيته، ووظيفته، وإن كانت التجربة السورية نفسها لا تبشر بالخير، لا سيما بعدما فشلت المعارضة "الطبيعية"، طوال الاعوام الاربعة الماضية ، في الاستفادة من تلك المواجهة الطاحنة، بين اقصى التطرفين، تطرف النظام وتطرف الاسلاميين،لتقديم نفسها كبديل محتمل.

الملهاة الجديدة هي مثل لعبة روليت روسية، بالنسبة الى الفرقاء السوريين جميعا. لكنها ليست كذلك بالنسبة الى روسيا التي ليس هناك دليل على أنها خضعت لضغوط خارجية من الاميركيين او الاوروبيين أو لضغوط إقليمية من الاتراك او العرب او لضغوط داخلية من الميدان السوري، لكي تطلق عملية سياسية، نظرية حتى الآن، هدفها النهائي اصلاح النظام السوري أو تطويره أو تحديثه. الامر أشبه بحملة علاقات عامة، هدفها الزعم أن روسيا لا تقتل فقط ، لكنها تمارس السياسة أيضاً. وهنا يمكن الافتراض أن أي عمل سياسي روسي في سوريا، مهما كان شكلياً، ينزع من الحليفين الايراني أولاً والتركي ثانياً، القليل من المبادرة، والكثير من المستقبل السوري.

وحسب السلوك الروسي الذي لم تكن انتهازيته بحاجة الى أدلة طوال الاعوام الاربعة الماضية، يمكن التكهن في أن روسيا تفتتح تلك المسرحية السورية الجديدة، على أمل أن تعثر على سبل جديدة للتفاوض مع جميع المعنيين بالشأن السوري، شركاء وحلفاء وخصوم، وتوسع البازار السياسي على بلد منهارٍ ونظام متهاوِ وشعب بائس..وهي بذلك لن تخسر شيئاً إذا ما فشلت اللجنة في عملها، وتفككت بعد أسابيع، او إذا نجحت في صياغة ورقة نوايا جديدة، تشبه تلك التي كتبها الكرملين قبل عامين، وكانت تعد المعارضة بدستور يحد من صلاحيات رئيس الجمهورية، وتعد بشار الاسد بالبقاء رئيساً حتى العام 2035.