موسكو ورقة نتنياهو الرابحة

بسام مقداد
الأربعاء   2019/04/03
أُعلن في كل من موسكو وتل أبيب ، عن زيارة يقوم بها بنيامين نتنياهو إلى موسكو الخميس في الرابع من الشهر الجاري، قبل أيام من الإنتخابات الإسرائيلية المقررة الثلاثاء المقبل في التاسع من الشهر. وكان الموقع الرسمي للكرملين قد اعلن في الأول من الجاري عن محادثة هاتفية بين نتنياهو وبوتين ، بادر إليها الأول، وتناولت مسائل التعاون الثنائي بين الطرفين، بما فيها الإتصالات عبر الخط العسكري ، والوضع في منطقة الشرق الأوسط . وتم الإتفاق خلال هذه المحادثة على الزيارة ، التي قال عنها الناطق باسم الكرملين بأن المحادثات خلالها سوف تكون " محادثات عمل قصيرة وسريعة" ، من دون أن يعلن عن جدول أعمالها .

وتتساءل صحيفة " NEWSru" الروسية في طبعتها الإسرائيلية عن السبب ، الذي يقف وراء هذه الزيارة العاجلة، التي لم يعلن عنها سابقاً ، سيما وأنها الزيارة الثانية لنتنياهو إلى موسكو في فترة الحملة الإنتخابية في إسرائيل ، والتي كان قد تحجج بها لتأجيل زيارته الأولى من 21 شباط/فبراير الماضي إلى 27 منه.

ونقلت نوفوستي عن "الجيروزاليم بوست" في مطلع الشهر الحالي انتقادها اللاذع للصحف الإسرائيلية  التي تلهت بالحملة الإنتخابية ، وأهملت تغطية اتفاق بوتين ونتنياهو ، الذي اسفرت عنه الزيارة الأولى إلى موسكو . وتقول الصحيفة ، أن الكثير من الصحف الإسرائيلية يُذكّر عشية الإنتخابات بالمنشورات الإنتخابية عديمة الذوق ، في الغالب ، أكثر من مصدر للمعلومات . ونتيجة لذلك غاب عن هذه الصحف بشكل كامل تقريباً الحديث عن لقاء بوتين ونتنياهو ، الذي ناقش نشاط إيران المتنامي في سوريا .ا مع العلم أن روسيا ، كما يبدو باقية في المنطقة، إن لم يكن للأبد ، فلمدة طويلة ، وهو ما لم يتحقق لا للقياصرة ولا للسوفيات ، بل تحقق لبوتين ، ما جعل موسكو لاعباً اساسياً في تطور اي سيناريو في المنطقة الآن.

وتقول الصحيفة، أنه يمكن الإفتراض أن نتنياهو قد تطرق خلال اللقاء في موسكو ، ليس لموضوع جبهة الجولان فحسب، بل تطرق أيضاً إلى الوضع في سوريا ككل . والعلاقات بين روسيا وإيران في سوريا تقوم على أساس مصالح مشتركة ، ليس بالضرورة إستراتيجية ، بل يمكن وصفها الآن بأنها ذات منفعة متبادلة. غير أن ثمة مصالح متناقضة بينهما، في ما يتعلق بالموقف من نظام الأسد ، والدور الذي تنوي كل من طهران وموسكو لعبه في إعادة بناء إقتصاد سوريا .

وترى الصحيفة أن موقف روسيا من أهداف إسرائيل الإستراتيجية في سوريا ، وخاصة من عملياتها العسكرية فيها ، يتأثر بعوامل مختلفة ومتناقضة أحياناً . تسعى موسكو ، كما طهران ، إلى ترسيخ نظام الأسد، إلا أنها لا تريد أن تتحول دمشق إلى تابع يدور في فلك إيران. حتى أن روسيا ، وفقاً لبعض المعطيات، لا تستاء من العمليات الإسرائيلية ضد إيران ، إذا كانت لا تهدد مصالحها المباشرة ، ولا تشكل خطراً على عسكرييها. وبالنسبة الى ما حدث للطائرة الروسية ، التي سقطت فوق اللاذقية في أيلول/سبتمبر الماضي ، فإن الطرفين الروسي والإسرائيلي يعتبران الأمر من الماضي ، حسب الصحيفة.

تختلف بشدة العلاقات الروسية الإسرائيلية في ظل بوتين عما كانت عليه في مرحلة الحرب الباردة ، حين كانت إسرائيل وسوريا حجرا شطرنج في المجابهة بين الشرق والغرب . وتقول الصحيفة ، أن روسيا بوتين تسعى إلى تعزيز وضعها في الشرق الأوسط، ليس على حساب إسرائيل ، بل بمشاركتها على الأرجح. وقد وجد هذا ترجمته في الواقع في لقاء موسكو، الذي تميز ليس بجو الصداقة الذي ساده بل، بل وبالإتفاق المبدئي على الإتحاد من أجل دفع عملية إخراج القوات الإيرانية من سوريا إلى الأمام ، وكذلك بعقد اتفاقات عملية في تنسيق العمليات بين روسيا والجيش الإسرائيلي على المسرح السوري من أجل الحؤول دون وقوع أحداث شبيهة بحادث الطائرة.

وترى الصحيفة أن المحافظة على العلاقات الأساسية مع الولايات المتحدة ، والتنسيق البراغماتي في  الوقت عينه مع روسيا بشأن سوريا، سوف يدخل تاريخ الديبلوماسية كإنجاز مهم لنتنياهو، خاصة وأن واشنطن لا تنظر إلى الأمر بأنه تهديد لمصالحها الكونية . وتتصرف إسرائيل ، حسب الصحيفة ، بحكمة إذ تُطلِع الولايات المتحدة على هذا الأمر وعلى سواه من المسائل ، وهي تتذكر بأن الولايات المتحدة هي حليف قديم ومهم لإسرائيل ، بينما روسيا هي شريك مهم في الحل العملي لبعض القضايا الملموسة .

إذا كانت "الجيروزاليم بوست"، التي اتهمت بعض الصحف الإسرائيلية بالتحول إلى منشورات إنتخابية "عديمة الذوق" ، قد وقعت هي نفسها ، من خلال حديثها أعلاه، تحت شبهة "المنشور الإنتخابي" لصالح نتنياهو ، فإنه من الصعب اتهام صحيفة "هآرتس" بالشبهة عينها وهي تكتب في 16 من الشهر المنصرم ، بأن نتنياهو قد خدع في سوريا كلاً من روسيا وإيران و"الدولة الإسلامية". وقد استدركت الصحيفة نفسها إمكانية التعرض لمثل هذه التهمة، حين أنهت مقالتها عن نتنياهو بالقول، أنه ليس من السهل عشية الإنتخابات توجيه المديح لنتنياهو على أي من سياساته، في الوقت الذي يتهم فيه بالفساد، ويقوم بتشريع العنصرية ، ويدمر مؤسسات إسرائيل الديموقراطية .

تقول "هآرتس" أن مستشاري نتنياهو من المخابرات والعسكريين كانوا، خلال السنوات الثماني المنصرمة من الحرب السورية، من أنصار العمليات النشطة ضد نظام الأسد، إلا أن نتنياهو كان يصر على البقاء جانباً. لكن هذا لا يعني، أنه كان يتهرب بالمطلق من العمليات في سوريا، بل على العكس من ذلك ، إلا أنه رسم خطاً أحمر يحدد متى وضد من سوف تنشط إسرائيل في سوريا. فهو لم يقف ضد العمليات، التي تستهدف القوات الإيرانية وحزب الله ، حتى حين كانت تحمل خطر انفجار الحرب الشاملة ، لأنه كان يدرك أن إيران قد وظفت الكثير في دعم نظام الأسد ، ولن تخاطر بتفجير حرب شاملة تعرضه للخطر.

وتقول الصحيفة أن نتنياهو كان مستعداً في العام 2015 لتقبل وصول القوات الروسية إلى سوريا ، وأمضى وقتها أياماً عديدة في موسكو وهو يضع مع بوتين القواعد الأساسية للتعاون المتبادل على الأرض السورية . وكان جنرالاته يتخوفون من أن وجود روسيا سوف يجعل عمليات إسرائيل في سوريا أكثر صعوبة إلا أنه كان هو يدرك أن بوتين ليس معنياً بتقديم العون لإيران، بل هو معني بضمان بقاء "زبونه" الأسد واستعادة سيطرته على سوريا .

لقد توصل نتنياهو إلى اتفاق واضح مع بوتين ، يمكن لإسرائيل بموجبه أن تنشط ضد إيران وحزب الله في سوريا من دون أي عائق، شرط ألا تقوم بما يعرقل بقاء الأسد في السلطة، حسب الصحيفة . وقد ثبتت إسرائيل هذا الحق بحرية الحركة ، حين أصبح من الواضح أنه ليس لدى روسيا لا القوة ولا الرغبة في منع إيران من النشاط بجوار الحدود الإسرائيلية .

لا شك أن الإتفاق المذكور مع بوتين يقدم لنتنياهو دعماً كبيراً في تقديم نفسه للناخب الإسرائيلي بأنه الضمانة الأكيدة لأمن إسرائيل ، ولذا لم يتوانَ عن القيام بزيارة موسكو قبل أيام من الإستحقاق الإنتخابي المفصلي في مسيرته السياسية الطويلة، لأنه يدرك أن موسكو تشكل ورقة إنتخابية رابحة بالنسبة له .