متى تهز العقوبات الأميركية الاستقرار؟

مهند الحاج علي
الإثنين   2019/03/11
حتى زمن قريب، كانت الردود الإعلامية لـ"حزب الله" على العقوبات الأميركية، تقتصر على إهمالها واعتبارها غير مؤثرة، ولو تلميحاً. وهذه السياسة كانت تُخلف هوة واسعة بين الواقع، وهو أن الحزب يُقلص نفقاته ورواتب ومخصصات عديده، وبين سياسة علنية تتجنب الحديث عن خسائر، بل وتستهزئ بالعقوبات وكأنها غير مؤثرة. وهذه هوة تتسع. ذلك أن الولايات المتحدة تزيد عقوباتها بشكل مضطرد، وتستهدف إيران و"حزب الله" بشكل منفصل. وفق هذه المعادلة، يشعر الحزب بالعقوبات على إيران نتيجة تقلّص قدراتها على التمويل، ويُعاني من أثر استهداف مؤسساته ورجال أعمال في فلكه. وهذا حصار مالي خانق، يُضاف اليه أن واشنطن تُمارس ضغوطاً سياسية متصاعدة على الحكومة اللبنانية للفصل بينها وبين "حزب الله"، ورسم خطوط حمراء لمدى تقدمه في الفضاء السياسي. حتى إن بعض التصريحات المنسوبة أخيراً الى السفيرة الأميركية في لبنان اليزابيت ريتشارد، تجعل مواجهة الحزب أولوية على الإستقرار الداخلي. لم يعد الحفاظ على الاستقرار، عبئاً في هذه المواجهة، كما كان بالأمس القريب.

تزداد هذه الأولوية الأميركية وضوحاً لدى التمعن بكم التصريحات الصادرة من المسؤولين والسفراء الأميركيين، من لبنان وخارجه، في خصوص "حزب الله" وانعكاسات دوره على المنطقة. ولا سقف واضحاً لهذا التصعيد الأميركي في ظل غياب هدف محدد أو واقعي. لذا فإن المواجهة اليوم مفتوحة وطويلة الأمد. وبإمكان الولايات المتحدة فرض عقوبات أوسع نطاقاً على بيئة الحزب، والمؤسسات القريبة منه، وإيلامه بشكل أكبر. هذا أميركياً. لكن هناك خطورة في هذا الشأن، من زاوية المصلحة اللبنانية. ماذا لو دفعت هذه العقوبات البيئة المؤيدة للحزب إلى حافة البؤس المُهدد للاستقرار الأمني؟ ونحن نتحدث هنا عن عشرات آلاف الأيتام والأرامل، ومثلهم من عائلات الجرحى والفقراء. هل يبقى مجتمع مسلح يزداد فقراً وبؤساً، ملتزماً الشراكة السياسية والسلمية مع طبقة حاكمة مُضطرة لمجاراة واشنطن في عقوباتها؟ من الصعب الجزم بذلك. بيد أن المؤيدين للحزب لن يلوموه أو سياسته الاقليمية على مآل الوضع المالي الحالي، بل سيلتفتوا نحو خصومه السياسيين، بما يُضاعف التوترات السياسية وربما المذهبية أيضاً.

وأحد المؤشرات إلى هذا المسار التصعيدي أن الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله شدد في خطابه الأخير على ضرورة تفعيل "هيئة دعم المقاومة الاسلامية"، وهي المعروفة بصناديقها المنتشرة في المؤسسات على مدى مناطق الإنتشار الشيعي في لبنان، أو بحواجز الدعم. من اللافت أن ينتقل الحزب من موقع اللامبالي بالعقوبات وآثارها، إلى وضع يدعو فيه أمينه العام الناس إلى التبرع بالمال في صناديق "الهيئة" لرفد الخزينة المتداعية للحزب. من الصعب أن تدر الصناديق ما يكفي لتمويل هذه الشبكة الريعية الكبيرة.

وقد يكون هذا الوضع المالي الصعب للحزب وراء الأسئلة التي طرحها ديفيد ساترفيلد نائب وزير الخارجية الأميركي، على المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم. هل تنجرف خيارات الحكومة اللبنانية باتجاه حزب الله ومحوره في الفترة المقبلة؟ هل يستغل المساعدات الأميركية لوزارة الصحة، والفساد والهدر الإداري لتمويل نفسه؟ إلى أي مدى تلتزم المصارف بالتعاون؟

من خلال هذه الأسئلة، تُحاول الولايات المتحدة رسم خطوط حمراء للحكومة اللبنانية، لضمان فاعلية العقوبات على "حزب الله". وهذا طلب أميركي من الساسة اللبنانيين بشراكة ما في تنفيذ العقوبات، متعاونين أو مرغمين. وكلما ارتفعت كلفة العقوبات على الحزب وبيئته، من الصعب الحفاظ على البقعة الرمادية التي تُقيم فيها السياسة اللبنانية حالياً. كان التعايش مع "حزب الله" ثمناً للاستقرار والحفاظ على مؤسسات الدولة. هذه المعادلة تحتضر اليوم، وبات الاستقرار يعيش في الوقت الضائع.