تعميم العار

شادي لويس
الثلاثاء   2019/02/12
منى فاروق وشيماء الحاج تنضمان إلى قافلة النساء اللواتي تذلّهن السلطة لتحقيق متعتها الفضائحية
ألقت الشرطة المصرية القبض على الممثلتين منى فاروق وشيماء الحاج، الخميس الماضي، وخرجت وزارة الداخلية إلى الإعلام باعترافات منهما تدين المخرج والنائب البرلماني، خالد يوسف. كان الفيديو "الإباحي" الذي ظهرت فيه الممثلتان قد بدأ تداوله قبل أكثر من عامين، لكن تحويل الأمر إلى قضية جنائية جاء بعد إعلان يوسف رفضه التعديلات الدستورية المقترحة مؤخراً. ولم تمر ساعات قليلة، حتى بدأ تداول تسريب لمكالمة هاتفية، لنائب برلماني آخر، أعلن معارضته للتعديلات نفسها، هو هيثم الحريري. وعلى إثرها، تقدم المحامي محمد حامد سالم، ببلاغ اتهم فيه الحريري بالتحريض على الفسق والتحرش الجنسي عبر الهاتف، وطالب برفع الحصانة البرلمانية عنه. كان الضرر الأكبر من التسريب قد لحق بالطرف الآخر، وهي امرأة متزوجة أشارت وسائل الإعلام إلى تفاصيل عنها، تكفي للتوصل إلى شخصيتها.

وهذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها تسريبات لمكالمات وفيديوهات مسجلة للهجوم على خصوم سياسيين. وبالطبع، فإن هذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها السلطة في مصر إلى لعب ورقة الفضائح الجنسية ضد معارضين، وتحطيم حيوات عدد من النساء في سبيل إكمال تلك اللعبة المسلية للأجهزة. تظهر النساء في شاشات التلفزيون منكسات الرؤوس، والخزي يكللهن أمام الجميع. فعلى أجسداهن وبها يلحق العار، ذبيحة جاهزة دائماً لشهوة القسوة والإذلال. تتسابق الصحف والقنوات في نقل لحظات دخولهن إلى النيابة، واقتيادهن من محابسهن، وتركز الكاميرات على وجوههن التي يحاولن إخفاءها. فيما يبدو الجمهور شبقاً لتلك العروض الفضائحية المجانية، وجاهزاً للانقضاض على فرائسه في بهجة مخلوطة بكثير من الإثارة الغاضبة.

لا يبدو أن 16 نائباً، هم أعضاء تكتل 25-30 البرلماني، يشكلون تهديداً وسط 596 عضواً داخل مجلس النواب. خالد يوسف فَقَد مصداقيته منذ وقت طويل، لدى جمهوره السياسي والسينمائي سواء بسواء. أما الحريري الشاب فلا يذهب تأثيره أبعد من مؤيديه في دائرته الانتخابية. والتعديلات الدستورية والاستفتاء عليها، يمكن ترتيب نتائجها بأقل جهد من قِبل الأجهزة الأمنية. يمتلك النظام زمام الأمور بالفعل، ويبدو في وضع مريح إلى أقصى حد، مطلَق اليد بالكامل. ومع هذا، تعمل ماكينة الأمن بفعل القصور الذاتي. يسعى الجميع إلى بذل ما يمكن، والمبالغة في إثبات الولاء، حتى ولو لم تظهر حاجة لكل تلك القسوة.

لكن الهدف ليس تشويه شخص بعينه، ولا تحطيم تكتل سياسي، أو إسكات صوت للمعارضة. تبث السلطة الذعر بين الجميع. فلا حُرمة للحياة الخاصة، ولا عاصم لكرامة خلف الأبواب المغلقة، ولا أمان حتى في غرف النوم. فالكل عارٍ أمام عين السلطة، وفي مسرح الفضيحة. إلا أن الرعب هو أقل ما تسعى إليه السلطة في كل هذا، فالخوف وحده ليس كافياً، بل وفي أحيان ليست بالقليلة، ينقلب شأن الرعب إلى ضده. فإذا كان الخوف معمماً ودائماً وعشوائياً، فلم يعد هناك ما يوجب الخشية، وتتساوى أمام المرء كل الخيارات، بل ويبقى الانتفاض على سلطة الخوف، بكل تبعاته، هو الخيار الأكثر احتمالاً وجدوى.

العار، وتعميمه، هو ما تسعى إليه دولة الفضح. لا الخوف منه أو حمل وزره، بل الغاية الأكثر انحطاطاً.. أي الاستمتاع به. الشبق الذي يتملك الجميع تجاه الفضيحة، خليط من الشماتة، والحسد مغرقاً في الرياء وادعاء الفضيلة، هذا هو الهدف. تسلية الغيبة وفضول منحط يستمتع بإلحاق الخزي بالآخرين، وبالتهليل لمشهد الأُسود وهي تفتك بالخاسر في حلبة المهانة العامة.

رويداً رويداً، يتفسخ ما تبقى من رابطة المجتمع، باسم الأخلاق والنظام العام. تنقلب الفضيلة رأساً على عقب، لتضحي مادة للتسلية الإعلامية، ولتسميم المجال العام بشعور معمم بالدنس. تصبح الفضيلة جوهر الشماتة، وسبباً لكراهية الكل للكل، واحتقاراً مضمراً لكل شيء. فقبل أن ينتبه أحد، يكون العار قد لحق بالجميع.