الكرملين حليف "الثورة المضادة"

بسام مقداد
الأربعاء   2019/11/13

 بين التصريح الأول لوزارة الخارجية الروسية مطلع الشهر الجاري ، بشأن الحدث اللبناني ، وتصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مساء الثلاثاء  في 12 من الجاري من باريس ، انتقل الموقف الرسمي الروسي من اعتبار الحدث شأناً داخلياً لبنانياً ، إلى قول لافروف بأن فكرة الحريري تشكيل حكومة كاملة من التكنوقراط غير واقعية في لبنان. وقد أطلق لافروف تصريحه هذا من باريس عشية وصول الموفد الفرنسي إلى لبنان ، في محاولة لحل الخلاف المستعصي بين أطراف السلطة اللبنانية حول شكل الحكومة العتيدة ، بين تكنوقراط كاملة ، أو تكنوسياسية ، وهو الخلاف الذي أصبح وراء اللبنانيين ، بعد رفض عون لحكومة التكنوقراط في إطلالته التلفزيونية ، التي فجرت غضب الشارع المنتفض . 

بين هذين الموقفين الرسميين ، كانت الخشية الروسية من انتفاضة اللبنانيين تتبلور في خطوات ملموسة بالإنحياز إلى القوى السياسية في السلطة اللبنانية الأشد تعنتاً في مواجهة الإنتفاضة . فقد منح الكرملين وسام الصداقة الروسي لمستشار الرئيس عون أمل أبو زيد، في الوقت  الذي كان فيه أنصار رئيس الجمهورية يخرجون إلى الشارع في مواجهة حشود اللبنانيين المنتفضين على السلطة ، التي يمثلها الرئيس عون . وفي بيروت ، نقلت صحيفة "الأخبار" عن السفير الروسي في لبنان موقفاً متطابقاً مع موقف حزب الله ، الطرف الرئيسي في مواجهة الإنتفاضة اللبنانية ، من حيث اعتباره أن الأزمة السياسية والمالية ، التي يعيشها لبنان ، ليست سوى خطة أميركية لإحداث فوضى تهدف إلى ضرب حزب الله ، ومن خلفه خصوم أميركا في المنطقة. وكما ردد نصرالله في خطبه الأخيرة بأن حزب الله لن يتأثر بالعقوبات الأميركية على الجهاز المصرفي اللبناني، يقول السفير بأن حزب الله هو الجهة الوحيدة في لبنان، التي ستحافظ على تماسكها في حال الإنهيار المالي الإقتصادي ، حسب الصحيفة. 

موقف حزب الله هذا ، الذي يتفق معه السفير الروسي ، تردده نائب رئيس العلاقات مع الإعلام والمجتمع في حزب الله رنا الساحلي في مقابلة لها مع الموقع الروسي المغمور "colonel cassad" ، الذي يعرف عن نفسه بأنه لسان حال البروباغندا التوتاليتارية . نشر الموقع المقابلة  في 7 من الشهر الجاري ، تحت عنوان ("ثورة الأراجيل" ، موقف حزب الله) ، وقدم لها بالقول ، أن زعيم "حزب الله" الشيعي حسن نصرالله أكد أكثر من مرة في خطبه على حق الشعب بالإحتجاج ، لكن ما بلغه هذا الإحتجاج في الأيام الأخيرة لا يمكنه إلا أن يقلق حزب الله وسواه من الحركات السياسية اللبنانية الكبرى. فالمطلب الرئيسي "للثوريين" (المزدوجان من الموقع) يتمثل في تسليم السلطة "للأوتوقراطيين" (وليس التكنوقراطيين) غير المرتبطين بالقوى السياسية الناشطة، والذين لا يعرف أحد اسماءهم ، ولا برنامجهم لإخراج لبنان من الأزمة السياسية والإقتصادية، التي يعيشها . 

تحدثت الساحلي إلى الموقع الروسي بصراحة وعفوية لافتتين ، فاستنكرت السؤال عما إذا كان حزب الله أقرب إلى إيران من لبنان ، وقالت بأنهم يتلقون أموالاً من إيران ، لكنهم لا يكدسونها في حسابات بالمصارف ، بل ينفقونها في لبنان ، وبفضلهم لم تتوقف التجارة في لبنان "يوماً واحدا" . وقالت بأن حزب الله هو تنظيم مكتف ذاتياً ولديه الأموال والإمكانيات ، ولذلك لا يمكن الضغط عليه ، كما على الآخرين . وتوقفت عند العقوبات الأميركية على بنك الجمال ، التي قالت بأن حزب الله لم يتأثر بها ، لأنه يحتفظ بامواله نقداً ، بما فيها تلك التي يتلقاها من إيران . وعلى غرار ما أعلنه نصرالله ، وأكده السفير الروسي في لبنان، تقول الساحلي بأن ما يعانيه لبنان حالياً من أزمة مالية وإقتصادية خانقة ، لا "يصيب سوى الناس العاديين ، لكن ليس نحن" ، وأميركا التي تقف وراء ذلك ، تستهدف أمراً واحداً ، وهو "تقليب مواطنينا علينا".

من جهتها ، صحيفة الكرملين "vz" ، التي كانت قد رأت في أول تعليق لها على الإنتفاضة اللبنانية    ، بأنها "صراع جديد في الشرق الأوسط يهدد مصالح روسيا" ، عنونت مقالتها الجديدة عن الحدث اللبناني بالقول "الربيع العربي بوسعه أن يتفجر في تشرين الثاني/نوفمبر" ، أكدت فيها أن الأحزاب السياسية اللبنانية التقليدية تنظر إلى الإحتجاجات كصدى متأخر "للربيع العربي" ، الذي خمد منذ زمن طويل . وتشتبه هذه الأحزاب ، برأيها ، بوقوف الولايات المتحدة وإسرائيل وراء هذه الإحتجاجات ، وذلك لرغبتهما في إضعاف النفوذ الإيراني على الحكومة اللبنانية ، خصوصاً أن الكثيرين من المشاركين في "ثورة الأراجيل" اللبنانية مرتبطون بإرادة ونوايا مشغليهم الأجانب . 

وبعد أن تعترف الصحيفة بأن للإحتجاجات جذوراً إجتماعية عميقة ، ولا تكفي "نظرية المؤامرة" لتفسير أسبابها ، تقول بأن المشكلة تتلخص في الإختلاف بين المحتجين حول المخرج من المأزق . ففي حين يطالب اليساريون منهم الدولة بتغييرات حقيقية في النظام القائم ، والسماح لممثلي الأكثرية الشعبية بالوصول إلى السلطة ، يكتفي الليبراليون بالمطالب الجاهزة بالنضال ضد الفساد، ويحدوهم الأمل باحتلال المناصب ، التي تخليها النخبة القديمة. ويهدد هذا الأمر بإلقاء لبنان من جديد في آتون حرب أهلية طويلة ، تشارك فيها سوريا وإيران وإسرائيل والولايات المتحدة ، ويتحول حينها "ربيع تشرين" إلى صقيع قارص . 

الأسبوعية الروسية الرصينة "expert" المتخصصة في مجال الأعمال ، وتحت عنوان "ربيع عربي جديد" ، تقول يبدو أن الشرق الأوسط تغمره موجة جديدة من الربيع العربي ، تطال هذه المرة لبنان والعراق . وكما في العام 2011 ، خرج مئات الألاف من الشباب إلى الشوارع والساحات في كلا البلدين ، يحملون شعارات تغيير السلطة . وبعد أن تعدد المجلة القواسم المشتركة بين البلدين ، من تعدد طائفي عرقي وحروب أهلية مدمرة ، تقول بأن البلدين يتميزان بالتدخل الإيراني العميق في شؤونهما الداخلية . 

وتقول المجلة ، أن اللبنانيين والعراقيين ، وكما في الربيع العربي الأول ، يعتبرون أن الفساد السائد الآن هو أحد أهم الأسباب التي تقف وراء جميع المصائب التي تحل بهم . ومن الطبيعي أن النخب السياسية الحاكمة في البلدين لا تريد تغيير النظام السياسي الطائفي القائم ، الذي أوصلها إلى السلطة ، وهو ما يشكل خطراً جدياً لاندلاع حروب أهلية دموية. والخطر الجدي الآخر، الذي يهدد كلا من البلدين ، يتمثل في التدخل الإيراني في الأحداث الدائرة في لبنان والعراق ، قبل أن يتمكن المنتفضون من إيصال حكومات مؤقتة إلى السلطة تتشكل من التكنوقراطيين. وتقول المجلة أن اللبنانيين والعراقيين يخشون من أن تقوم إيران ، بواسطة الميليشيات الشيعية التابعة لها، بالقضاء على الإحتجاجات والمحتجين، وينتهي كل شيئ ، كما انتهى في الربيع العربي الأول . 

بدوره موقع "rosbalt" الإخباري الروسي القريب من الشيوعيين ، يقول بأن المتظاهرين اللبنانيين والعراقيين  ليسوا إستثناءاً ، بل هم جزء من مئات الألوف ، الذين خرجوا ويخرجون في مدن العالم المختلفة ، ضد الأنظمة الهجينة ، التي تتسبب بكل آلامهم وشقائهم .  ويتساءل الموقع ، كما الكثير غيره من المواقع الروسية المعارضة ، لماذا يبقى الروس صامتين على آلامهم وشقائهم ، في ظل نظامهم الهجين أيضاً، ولا يخرجون إلا في احتجاجات متواضعة الأعداد ، ويكتفون بما ورثوه من وسائل الزمن السوفياتي من سكر وانزواء وجنون . لماذا يكتفي المعترضون الروس بتدمير أجسادهم ، التي يعتبرونها جزءاً من جسد السلطة ، التي لا بد وأن ينتهي رأسها بالجنون .