لُغز "اغتيال" روسي في لبنان

مهند الحاج علي
الإثنين   2019/01/07
كان الجدل حول "اغتيال" رئيس الاستخبارات العسكرية الروسية إيغور سرغون في لبنان من عدمه مطلع عام 2016، في أدراج النسيان، حتى نشر المحقق الأميركي الخاص روبرت مولر نص التحقيق مع مستشار الأمن القومي السابق في الولايات المتحدة مايكل فلين قبل أسبوعين.

بعد حادث وفاة رئيس أكبر جهاز استخباراتي في روسيا، وهو بين الأكثر فاعلية وتأثيراً في العالم، نُشرت 3 روايات متضاربة. الأولى في موقع شركة "ستراتفور" الأمنية الأميركية، نقلت عن مصدر لها أن سرغون إغتيل في لبنان بعدما أوصل رسالة روسية إلى الرئيس السوري بشار الأسد، مفادها بأن عليه الرحيل، وهو أيضاً كلام نُقل في صحيفة "ذي فايننشال تايمز" البريطانية. لم يفت "ستراتفور" الإشارة إلى أن "لبنان مقر للاستخبارات الدولية"، دون شرح أو إسهاب.

الرواية الثانية، ونشرتها صحيفة لبنانية محسوبة على "حزب الله"، أكدت نقلاً عن مصدر ديبلوماسي في لندن، أن الاغتيال وقع في لبنان، وألمحت الى دور جهاز استخبارات اقليمي (تركيا)، سيما أن الحادث تزامنت مع توتر في العلاقات بلغ ذروته في اسقاط الطائرة الروسية.

الرواية الثالثة كانت الرسمية الروسية، وهي أن سرغون تعرض لنوبة قلبية مفاجئة أودت به قرب موسكو. التمسك الروسي بالنفي، وعدم تواتر أخبار لبنانية عن الحادثة، أنهيا الجدل في المسألة قبل 3 سنوات تقريباً.

لكن نشر الوثيقة الشهر الماضي أعاد الإغتيال إلى الواجهة، رغم أن ذكرها عرضي فحسب. ذلك أن الوثيقة جزء من التحقيق الواسع لمولر في العلاقة بين الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبين روسيا، وتحديداً عناصر أمنية واستخباراتية رفيعة المستوى. بكلام آخر، مولر لا يُحقق في ظروف وفاة سرغون قبل 3 سنوات، لكن عرج على الموضوع من بوابة السؤال عن علاقة المُتوفي بفلين عندما كان الأخير يلعب دوراً في الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي الحالي.

في الوثيقة، قال فلين إن علاقة ودية ربطته بسيرغون، نظراً الى تاريخهما العسكري المشترك، وخدمتهما في أفغانستان في حقبتين مختلفتين. لكن فلين ذكر في جملة أن رئيس الاستخبارات العسكرية الروسية تُوفي "في لبنان". وبعد الجُملة التي ذكر فيها فلين مقتل سرغون في لبنان، مساحة محذوفة بالحبر الأسود، بما يدل على اخفاء للكلام لأسباب أمنية. والأرجح أن فلين كان يشرح ما جاء في الجملة السابقة، أي حيثيات الإغتيال!

واللافت في كل ذلك، أن موسكو ارتأت الرد سريعاً على كلام فلين، بعدما نشرت هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) تقريراً باللغة الروسية عن اغتيال سرغون في لبنان بعنوان "رئيس الاستخبارات العسكرية الروسية مات في لبنان، يقول المستشار السابق لترامب أمام مكتب التحقيقات الفيديرالي (أف بي آي)". وزارة الدفاع الروسية أعلنت الشهر الماضي أن "الإشاعات المنشورة، بتلميح من وزارة العدل الأميركية، بأن بطل روسيا الكولونيل-جنرال إيغور ديميتريفيتش سرغون قُتل في لبنان في الثالث من كانون الثاني (يناير) عام 2016، هي هراء مؤامراتي. إيغور ديميتريفيتش كان في روسيا في كانون الثاني (يناير) عام 2016".

والواقع أن إيغور كوروبوف، خليفة سرغون على رأس جهاز الإستخبارات العسكرية الروسية، تُوفي أيضاً في 21 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي نتيجة مرض أصابه. لم يثر موت كوروبوف أي جدل لكن حقيقة أن رئيسين لأكبر جهاز إستخبارات روسي تُوفيا خلال أقل من 3 سنوات، فتحت عيوناً كثيرة.

ومعرفتنا حقيقة ما حصل مع سرغون ليست سوى مسألة وقت.