سفير إقليمي لإيران في بيروت

مهند الحاج علي
الجمعة   2018/08/03

منذ عام 2011، هناك شكوى متصاعدة، لبنانياً وعربياً، من الدور الإقليمي لبيروت في الاستراتيجية الإيرانية حيال المنطقة. ذاك أن قنوات يمنية وعراقية وخليجية افتُتحت في بيروت، تخدم مجموعات تدور في الفلك الإيراني، وتُعادي خصوم طهران، بما يضر بالمصالح الحيوية اللبنانية في دول الخليج العربي من السياحة والتبادل التجاري إلى العمالة.

واقفال هذه القنوات، وبينها تلفزيون "المسيرة" لجماعة الحوثي في بيروت، احتل رأس قائمة المطالب الخليجية من لبنان لإعادة العلاقات الطبيعية، وتحديداً السماح للسياح الخليجيين بالعودة، وانعاش قطاع الخدمات بعد موت بطيء. والحقيقة أن أي دولة تملك أدنى السيطرة على مصالحها السيادية، كانت أقفلت هذه القنوات بالشمع الأحمر، وطردت العاملين فيها، لأن ميزان المنطق يقضي بأن وجودها الضئيل يضر بمصالح مئات آلاف اللبنانيين، ولا فائدة محلية له. وليست هذه جماعات حقوقية مهددة، بل شبكات لها وظائف وعلاقات اقليمية. لكن الدولة اللبنانية لم تُؤد مهمتها اللازمة، بما أن القنوات موجودة في جزر "حزب الله" الخارجة عن سيطرة الإرادة اللبنانية البحتة. والواقع أن لبنان هو المكان الوحيد لمثل هذه القنوات، لأن وجودها في طهران يُثبت التهمة عليها. والأرجح أيضاً أن النظام السوري، وبدعم روسي، لن يقبل بتحويل أراضيه إلى محطة، إلا إذا كانت ورقة لها دور محدد في التفاوض مع العالم الخارجي. هي من حُصتنا، نحن المغلوب على أمرنا، حتى تصير هناك حكومة كاملة السيادة.

وهذه القنوات أيضاً أشبه بشبكات إقليمية، بما أن وجوداً سياسياً يحيط بها. وبالتالي فإن عملها من المكان ذاته، يفترض وجود مركزية في إدارتها والعلاقات بينها. وهذا الوجود السياسي، تماماً كالإعلامي، مضبوط الإيقاع، وهو خارج نطاق الإرادة اللبنانية ومصالح الدولة. بكلام آخر، هناك تقاطع لشبكة النفوذ الإقليمي (الإمبراطوري) الإيراني في الضواحي الجنوبية لبيروت.

وما يزيد من منسوب القلق حول هذه الشبكة الإيرانية في بيروت، تعيين سفير جديد أدى أدواراً اقليمية الطابع من موقعه الرفيع في وزارة الخارجية الإيرانية في طهران. السفير محمد جلال فيروزنيا تولى موقعه الجديد قبل أيام قليلة في بيروت حيث حظي باستقبال مهيب في قاعة الشرف بالمطار، من وفد رجال دين وسياسة. إلى جانب توليه منصب السفير في البحرين واليمن وماليزيا سابقاً، كان فيروزنيا مدير مكتب الخليج في الخارجية ولعب أدواراً بارزة خلال أحلك المفاوضات في حرب العراق. كان الإسم الإيراني البارز خلال أحداث البصرة عام 2008 مثلاً. واللافت أن دوره في الخارجية امتد بين عامي 2001، وهي لحظة مفصلية للسياسة الأميركية في المنطقة، ولكن أيضاً للتمدد الإيراني نتيجة غزو أفغانستان والعراق، و2012، أي بعد الثورات العربية (أمضى 3 سنوات منها مستشاراً لوزير الخارجية الإيراني حينها).

تعيين فيروزنيا جاء ضمن حزمة تعيينات لسفراء (مجموعهم 10) في أنحاء العالم، وفي شهر انطلاقة العقوبات الأميركية على مبيعات النفط الإيراني. كما تأتي بعد شهر على اعتقال أسد الله أسدي، الدبلوماسي الايراني في باريس، بتهمة التحضير لتفجير في فرنسا يستهدف تجمعاً لمنظمة "مجاهدين خلق". وكأن الدبلوماسية الإيرانية تُحضر للعب أدوار مشابهة لما حدث خلال حقبتها الثورية في ثمانينات القرن الماضي، عندما كان التفجير والاغتيال وظيفتين رئيسيتين في السياسة الخارجية.

حتى لو لم يحمل تعيين فيروزنيا تغييراً في مستوى التدخلات الايرانية في لبنان، فإن السلطات اللبنانية مطالبة بإجراءات احترازية لتفادي أي مخاطر. ربما الخطوة الأولى المناسبة في هذا الاتجاه، سحب رخص هذه القنوات، واعتبارها غير شرعية، حتى لو واصلت عملها رغماً عن الارادة الرسمية اللبنانية.