حلف اليمين على إيقاع الملل

شادي لويس
الثلاثاء   2018/06/05
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي

في جلسة حلف اليمين لفترة رئاسة ثانية، يستعير السيسي نبرة مبارك وطريقة إلقائه، تلك الطريقة التي ابتدعها الثاني، وكانت الأكثر مناسبة لمضمون خطبه عن "الاستقرار". نفس البلادة المتعمدة، ونهايات الجمل المفرغة من المعنى ومن أي قدر من الحماسة في وقعها. إفتعال وقار مدرسي دلالته الوحيدة الملل، وتكرار محتوى مقصود من سهولة توقعه، أن يكون روتينا موسميا مفرغاً من الروح، وبيروقراطية خطابية، تسلب المستمعين أي قدر من الخيال، وتحرمهم أي أمل في مفاجأة أو حتى انتظار وعد بها. كان مبارك عدواً للإثارة وللخيال معا، واليوم يبدو أن السيسي يتعلم الدرس. لكن تلك التشابهات ليست بالضرورة، مجرد مواريث طقوسية للدولة المصرية، يحبذ الاحتفاظ بها كدلالة على الاستمرار، الذي لم يتخلله سوى مقاطعة طارئة، سرعان ما تم تداركها ومحو أي آثر لها. فالسيسي في فترته الرئاسية الثانية يشبه كثيرا مبارك، الذي ورث كرسيه بعد صدمة اغتيال سابقه المروعة، وتسلم بلداً على المحك، قبل أن ينتقل سريعا من خطاب الذعر إلى لغة الاستقرار والبناء.

لا يتخلى السيسي تماما عن مهمة "الإنقاذ"، فمن المبكر طرحها بالكامل وراء ظهره، فهي ميثاق شرعيته الأهم، وفي الوقت نفسه فإن الحديث عنها بوصفها تهديداً قائما إلى اليوم، ليس في مصلحته. يذكر الرئيس مستمعيه في مجلس النواب، بأن مصر خاضت معركتين واحدة في سبيل "البقاء"، والأخرى من أجل "البناء". يطمئن الرئيس مستمعيه في مجلس النواب بأن خطر "الانهيار والدمار" باسم كل من "الدين" و" والديمقراطية "لم يعد طارئا، ففي الفترة الثانية سيركز على مهمة "الاستقرار" و"النمو" و"المشروعات القومية". فمصر عبرت "مرحلة عصية" نحو "مستقبل...أكثر عزما".

يعيد السيسي التأكيد على مرتكزات مشروعه لذلك المستقبل، أولها الله الذي يكرر السيسي الإشارة إليه في خطبه أكثر من غيره، ففي وصلة قصيرة من الارتجال، يخبرنا الرئيس بأن "ربنا حامي البلد...لا السيسي ولا غيره"، هكذا فإن السيسي لا يبخس من مهمته، بل يعيد صياغتها بوصفها عملاً إلهياً هو أداته ووسيلته، وبالتالي فهو رئيس "لا يخشى إلا الله"، فهو الوحيد الذي له أن يحاسبه بالتأكيد. وحين يذكر الرئيس مؤسسات الوطن، فهو يبدأ بالأزهر الشريف، ممثل الإسلام، والكنيسة بعده، ممثلة دين الأقلية، فالجيش، ولاحقا الشرطة، لا يدع السيسي مجالا للشك في تصوره الديني-الأمني للدولة، وأولوية الغيبي فيها.

لكن كل هذا يتوحد في "يقين ثابت، ورهان رابح" للرئيس، في عراقة " الشعب" و"ثوابت التاريخ والجغرافيا". فحتى حين يصبح المواطنون جزءا من المعادلة، فأنهم يتمثلون في مخيلة كاتب خطاب الرئيس بوصفهم معاني مجردة تتعلق بالماضي وعراقته، وتضاريس البلاد وثوابتها، أو في أفضل الأحوال في صورة "المرأة"، أي الشعب بوصفه القطب الأنثوي في مقابل فحولة الدولة.

يطرح الرئيس وعداً ب"تنمية السياسة" بعد نجاحه في "تنمية الاقتصاد"، ويتخلى عن لغة الوعيد المعتادة، ليخبرنا بأنه "رئيس لكل المصريين"، بمن فيهم معارضوه، لكن تلك الوعود لا تبدو متوافقة مع الواقع، ومع حملة الاعتقالات الأخيرة، فأكثر ما يفسدها هو تصور الرئيس عن دور الشعب في السياسة، والذي لم يخرج في كلمته عن ثلاثة مهام: "العمل"، " الاصطفاف"، و"التماسك".

تلخص الخاتمة، موقع الشعب، فالرئيس كالعادة، يطلب من الحضور أن يرددوا وراءه "تحيا مصر"، ثلاث مرات، ويكررها الجميع بنغمة طوابير الصباح في المدارس الإعدادية، وعلى إيقاع يليق ببلادته مع كل الخطب القادمة التي سنسمعها، ونعرف فحواها مقدما.