الكرة بديلا للأنثى

أحمد عمر
السبت   2018/06/23

الكرة أنثى في العربية، ولها صفات ونعوت في اللغات الإسبانية، أشهرها العاهرة والساحرة، يتنافس على كأس العالم 32 فريقاً من الذكور، هناك فرق ومسابقات لبطولات كأس العالم للإناث، لكن الذكور الذين يوزعون أوراق الكوتشينة على طاولة  العالم، يأخذون كرة قدم الإناث على محمل المزاح، وللتسرية، ليس خوفاً من أن تخطف جمال اللاعبات الأبصار، فأبصار الذكور الذين يديرون العالم لم تعد تخطفها الإناث، لقد نالوا جرعة قوية من اللقاح ضد النساء، كأنهم شبعوا منهن، أو أن الكرة - أكمل الأشكال الهندسية- أجمل، فهي "لا تحيض ولا تبيض" كما قال أبو نواس يوماً، متغزلاً بغلام. مع أن جمال النساء من جمال كراتهن، أكملهن بثمان إذا أقبلت، وأربع إذا أدبرت.

في التوراة والإنجيل والإسرائيليات الحافة بتفسير القرآن الكريم، كانت المرأة مرذولة ومن جنس الشيطان، لم تنل بعض حقوقها سوى منذ سبعين سنة منصرمة من عمر البشرية المعروف، دعك من تقبيل أيدي الجميلات في أفلام النخبة الحاكمة الإفرنجية. أمس تداول الشباب، لهم الغد، ومجده المنكّد، صورة لحسناء ألمانية خلف الخطوط الخلفية لإحدى معارك الكرة، كانت تلف نفسها بالعلم الألماني، ثم رفعت العلم، عالياً، فخفق علمان، وأقبلت بثمان وأدبرت بأربع، ولم ينتبه أحد من المشاهدين، الذين كانت أبصارهم عالقة، بالعاهرة المستديرة، ترهقهم ذلة، لعل الحسناء كنت تشعر بالغيرة والحسد من الكرة.

وتداول أيضاً الناشطون، من غير منشطات، سوى الكرة، صورة كارتونية لآدم وحواء سعيدين، يركضان في مروج الفردوس، ثم سقطت كرة من شجرة الغيب، فاضطربت قوانين الجاذبية، فترك آدم مطاردة حواء، وجرى وراء الكرة، وحواء مندهشة تركض خلف زوجها، الذي سرقت عقله الكرة.

الصورة الثالثة هي لزوجين في شهر العسل، بعقد أو من غير عقد، وهي مقسمة إلى مرحلتين، في المرحلة الأولى يتابعان فيلماً درامياً، والأنثى تبكي، والذكر يواسيها قائلا: إنها ليست سوى دراما وتمثيل يا حبيبتي، وفي الثانية الذكر يبكي، والأنثى تواسيه وتقول له بأنها ليست سوى كرة يا فؤادي.

لقد أصاب صّناع الكيد  العالمي عصفورين بكرة واحدة؛ الحرب بنوعيها، الحقيقية والرياضية، فطعنوا (من الطاعون) ابن آدم بداء الفتشية، فنسي ولم نجد له عزما، الفتشية هي ولع التعلق بالأشياء. ولم يتعلق الإنسان من قلبه وعرقوبه بشيء أكثر من الكرة.

لنذهب إلى كتاب الغرب المقدس الجديد، إلى قصة دانيال ديفو، روبنسون كروز، آدم العصر الغربي الجديد، القصة التي فاقت دون كيخوته مبيعاً، إنه آدم الغرب الاستعماري، ولكنه لا يبدأ من الصفر، وهو غير حي بن يقظان، قصة ابن الطفيل المعروفة، التي اقتبس منها، وكان حي بن يقظان قد وصل إلى الله بالفطرة، أما روبنسون كروز، فوصل إلى الاحتلال والاستعمار عن طريق الاحتلال والغزو الناعم المقنّع، فقد تحطمت سفينته، واستعبد فرايدي، وتزوج، وماتت زوجته وبناته، فعاد وحيداً إلى الفردوس المفقود.

إذا كانت قصة روبنسون كروز تمثل الحداثة الصلبة، فهو مستعمر متدين، يبشر بدينه البشر، تحت قناع مكافحة البربرية، وأكلة لحوم البشر، وفرايدي هو يوم الجمعة، فلروبنسون كروز ثأر مع آسريه المغاربة، ومع يوم الجمعة، كما يشتبه كاتب السطور.

إن المنبوذ، "كاست اوي" أو الوحيد، أو المفرد، وهو فيلم من تأليف وليام برويلز الابن، وبطولة توم هانكس إنتاج سنة 2000، المفرّد بطل ما بعد الألفية الثانية، نال الفيلم شعبية كبيرة في شباك التذاكر، الفيلم يحكي قصة موظف شحن جوي، تسقط طائرته ليجد نفسه منعزلاً في جزيرة، مثل الملاح البحري روبنسون كروز.

تشاك نولان، هو الجيل الثالث من قصة حي بن يقظان العربية الإسلامية، المقتبسة من قصة آدم، وإذا كان روبنسون كروز هو بطل عصر الحداثة الصلب، فإن المنبوذ هو آدم العصر السائل.  

عاش تشاك نولان وحيداً، لا حيوانات ولا بشر، لا عبد، ولا كلب. لم يصادق كائناً من العقلاء أو البهائم، لكنه صاحب شيئاً، هو كرة، وجدها في أحد طرود الشحن، وهو مسكين، عاجز، لا يعرف كيف يكسر جوزة، ولا كيف يصطاد سمكة، وفي الفيلم يجد ثوب عروس في إحدى علب الشحن ، فيقوم بتقطيعه ليربط جروحه، ويتعلم الدفن من غير غراب كما في قصة بني آدم، فهو مثل كروز لا يبدأ من  الصفر، ويرث حذاءه، ثم يحاول الحصول على النار، كما لو أنه يبدأ تاريخاً جديداً، فيطول بحثه عن النار، فيقذف غاضباً الكرة بيديه الداميتين، وبعد أن يهدأ غضبه يجد ما يشبه الوجه على الكرة، فيتخذ الوجه صديقاً، فيقضي أربع سنوات، وهو يخاطب وجه صديق الكرة، الذي أسماه نلسن، وسيرى المشاهد أن صداقة تشاك مع نلسن أقوى من حبه لصورة خطيبته كيلي!

المنبوذ، هو نبوءة جيدة لعصر السيولة والحداثة الثانية، والجزيرة التي سقط فيها هي كوكب الأرض في المخيلة الغربية. الفيلم حافل بالإشارات الدالّة، وتعبير عن وحشة الإنسان في عصر الحداثة والطرود والشحن، خذ مثلاً إشارة قلعه لضرسه، الأسنان رمز العمر والزمن، بعد عودته في باخرة عابرة، يجد خطيبته قد تزوجت، وليس مثل بنلوبي، التي ظلت تنسج الكنزة وتدفع الخطّاب وفاءً لزوجها، يعيد الطرد إلى صاحبته، فلا يجدها في الدار، فيقف على مفترق طرق تائهاً، وحيداً. وكان كاتب السطور عند مشاهدته قبل سنوات، ينتظر مفاجآت في الفيلم ومغامرات، قبيلة متوحشين مثلاً، ديناصوراً مثلاً، لكنه غيّر رأيه، بعد أمّة، فقد وجد الفيلم تعبيراً نفسياً عن وحشة الإنسان الغربي المعاصر.

لقد نسينا الكرة، الديناصور، صديق تشاك نولان الوحيد في الفردوس الموحش.

الرجال يحبون الكرة وكأس العالم أكثر من النساء، وكثير من النساء يشعرن بالغيرة. لذة الوقاع الجنسي قصيرة برقية، هي 11 ثانية، وهي الذكرى الوحيدة الباقية من الجنة، أما لذة المباراة فأطول، وإن كانت تشبهها في أمرين هما: الآنية، والإحباط أو التعب الذي يشعر به المشاهد بعد المباراة هزيمةً أو خسارة.

اقتصاد الحرب مثل اقتصاد الكرة، وإن كان استعمار الكرة أنعم. لقد مارس تشاك نولان الاستعباد والتبشير بنعومة فائقة. ليس لدينا إحصاءات عن السرقات وعمليات السطو التي تجري في أثناء سكرة المونديال، غير سرقة عقول الناس وأموالهم ودينهم ويقنيهم . نسينا أيضا السبي وأسواق المتعة في شهر المونديال الحرام الذي خفض فيه بوتين التصعيد في سوريا.