لا دولة ولا "شبه دولة"!

محمد طلبة رضوان
الأحد   2018/05/27

"الدولة المصرية"، العنوان العريض الذي جاء السيسي تحت لافتاته، الدولة أو اللا دولة كان التهديد الذي يحمله أنصاره للمتابعين أمام شاشات التلفزيون لدهس الدبابات للحوم البشر في الشوارع والميادين، بعدها بقليل وصل السيسي إلى الاتحادية وسط حراسه، وسرعان ما أحاطت به استحقاقات الدولة وشروطها كما وعد المصريين، فإذا به يتراجع ويعلن بنفسه أن مصر ليست دولة، إنما "شبه دولة" و "وطن ضايع"، خصوم السيسي ومعارضته الذين لم ينتقلوا إلى "العقرب"، أو إلى "الرفيق الأعلى"، يقولون أنها "جمهورية كأن" والعبارة للدكتور سيف عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية والمعارض المصري البارز، وهي التي أعاد إنتاجها الدكتور علاء الأسواني في رواية - لم تطبع في مصر - ترصد إخفاقات الثورة المصرية!



الثلاثاء ٢٢ مايو الجاري: القضاء العسكري حكم على زميلنا الصحافي والباحث إسماعيل الاسكندراني بالسجن عشر سنوات، في ٢٢ مايو الجاري، تم إبلاغ محاميه الذي لم يحضر الجلسة بالحكم، لماذا لم يحضر محاميه الجلسة؟ هذا ليس من شأنك ولا من شأن اسماعيل الاسكندراني، ولا من شأن محاميه ..


الأربعاء ٢٣ مايو الجاري تم نشر الخبر في جميع الجرائد، والمواقع الإخبارية، بعدها بيومين، الجمعة ٢٥ مايو الجاري نشرت صفحة مراسلون بلا حدود نفيا للحكم على لسان المتحدث باسم القوات المسلحة، كل المعلومات السابقة صحيحة، حكم المحكمة وإبلاغ المحامي، ونفي المتحدث الرسمي، أهلا بك في مكان ما كان يسمى "مصر"..


بالتزامن مع الحكم على "الاسكندراني"، قوات الأمن ألقت القبض على المدون وائل عباس، بتهمة تورطه مع جماعة الإخوان في نشر أخبار كاذبة، وائل هو أشهر مدون في مصر، يستمد شهرته من كونه الأقدم في التدوين الالكتروني والأكثر اجتهادا، كل من يقرأه يعرف عنه ٣ أشياء: سليط اللسان، مساند للحريات، عدو - وليس مجرد خصم - لتيارات الإسلام السياسي، وعلى رأسها الإخوان، الذين يسبهم ليل نهار ويتقربون هم إلى الله بإخراجه من الملة ليل نهار، وذلك قبل أن تقرر أجهزة الأمن لم شمل "وائل" على "الإخوان" في قضية واحدة. والصلح خير!


في اليوم نفسه تناقلت وكالات الأنباء خبرا يفيد بضبط ١١٨ قطعة أثرية مصرية في روما، وأشارت أصابع الاتهام إلى شبهة دبلوماسية، وهو ما صرحت به الصحف الإيطالية ونفته على الفور وزارة الخارجية المصرية في اليوم التالي، ليست قطعة مهربة كما يحدث في أفلام السينما، بل مئة، وليست الشرطة المصرية وعيون الوطن الساهرة هي من ضبطت حاوية الآثار المهربة كما يحدث في مسلسلات رمضان، إنما السلطات الإيطالية، وليس الإعلام المصري الوطني هو من أعلن عن تهريب آثارنا إلى إيطاليا إنما الصحافة الإيطالية، وإلى الآن لم يصدر من أي جهة في ما يسمى بالدولة المصرية ما يفيد "استشعار" حجم الكارثة، وكما يقول المثل المصري: "الحق على الطليان"!


اللاعب المصري العالمي محمد صلاح تعرض لأزمة كبيرة منذ أسابيع بسبب وضع صورته منفردة على الطائرة الخاصة بمنتخب مصر وبجوارها إعلان لشركة اتصالات مملوكة للقوات المسلحة، وهو ما يخالف عقد الرعاية الذي وقعه محمد صلاح مع شركة اتصالات أخرى مما يلزمه بسداد ٤.٦ مليون يورو، الشركة "المسلحة" رفضت الاستجابة لمدير أعمال صلاح، والمسؤولون في مصر لم يردوا على تليفوناته ومناشداته المتكررة، وذلك قبل أن يصدر بيان اتحاد الكرة الذي يهين مدير أعمال صلاح وذلك لأنه لم يفطن إلى الأثر المنسوب إلى النبي "أنت ومالك لأبيك"، وصلاح ابننا ولنا فيه حق "الأب" و"الأم"، وما يستجد من صلات قرابة، كل ما سبق ليس مهما، المهم أن العالم كله كتب عن "استلواح" شركة العساكر للاتصالات، و"جليطة" اتحاد الكرة، والجماهير في مصر والوطن العربي دشنت هاشتاج لدعم صلاح، فتحرك السيسي شخصيا وأمر بحل المشكلة وأزيلت صورة صلاح من الطائرة ومن الإعلانات المنتشرة في شوارع القاهرة، وتوقعنا أن تتعاقد الشركة مع لاعب آخر، وأكثر من لاعب من لاعبي المنتخب ليحلوا محل صلاح، إلا أن المفاجأة أن المفاجأة الجديدة كانت صورة "صلاح" أيضا، القوات المسلحة المصرية قررت إنتاج "صلاح" محلي بسعر التكلفة، وذلك بعد نجاحها الباهر في انتاج الثالثة والمعكرونة وكعك العيد، الشركة المحترمة، التابعة للدولة المحترمة، التي فضحتنا أمام العالم كله، قررت الإتيان بشخص يشبه محمد صلاح بدرجة كبيرة ووضع صوره مكان صلاح، نكاية في الشركة صاحبة الحق، ومصر التي أنجبت صلاح قادرة على إنجاب شبيهه، ودحض مؤامرات "أهل الشر" في شركة فودافون، أهلا بكم في مستشفى المجانين!