سباق واشنطن وبكين

مهند الحاج علي
الإثنين   2018/04/23

لم يكن إعلان كوريا الشمالية قبل أيام قليلة تجميد التجارب الباليستية والنووية، حدثاً منفصلاً عن الصراع التجاري الصيني-الأميركي. بكين، كما الولايات المتحدة، تُمسك بأوراق آسيوية. ذاك أن الزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ أون زار بكين الشهر الماضي بغرض التنسيق مع الجانب الصيني قبل القمة المرتقبة بينه وبين الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وربما شكلت هذه الزيارة رسالة إلى الولايات المتحدة في خصوص مدى قدرة الصين على المناورة سياسياً في المنطقة، سيما لو واصلت واشنطن سياساتها التصعيدية تجارياً.

وسياسة الإدارة الأميركية الحالية عصيّة على الفهم والتوقع، لا بل هناك أزمة ثقة حقيقية تنشأ بين الأميركيين والصينيين بعد فرض واشنطن رسوم جمركية على قطاعات صينية. بكين ردت برسوم على سلع أميركية. وبعد أسابيع، سيتخذ ترامب قرار فرض عقوبات من عدمه، سيما بعد تسريب قائمة بـ1300 منتج صيني. وبين الردود الصينية المفترضة، فرض جمارك عالية (وعملياً وقف استيراد) على واردات فول الصويا الأميركي (10 مليارات دولار تقريباً)، ما سينعكس سلباً على المزارعين في ولايات جنوبية يحتاج الرئيس الأميركي إلى أصواتها في الانتخابات النصفية المرتقبة وربما لاحقاً إذا أراد خوض معركة الولاية الثانية عام 2021.

والواقع أن الحرب التجارية بين بكين وواشنطن ليست وليدة مزاج سيء لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب. بل كانت الديبلوماسية الأميركية دوماً تضغط باتجاه دفع بكين إلى إجراءات سريعة لمعالجة العجز التجاري بين البلدين، وهو الأكبر في العالم. تحديداً كانت ادارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تطلب من الصين تعويم العملة (يوان)، وعدم تثبيت سعر الصرف من أجل ضمان عمليات تبادل تجاري أكثر عدالة.

ولكن القلق الأميركي من صعود الصين بات مضاعفاً نتيجة خطة "صُنع في الصين عام 2025" الحكومية التي ستُفضي الى هيمنة بكين على 10 قطاعات في العالم، بينها الأدوية والأدوات الطبية والماكينات الزراعية والذكاء الاصطناعي. وبالفعل، حققت الصين تقدماً في تطبيق الخطة خلال السنتين الماضيتين، لكن الولايات المتحدة تتهمها بسلب المؤسسات الأميركية تقنياتها المتطورة. يحصل هذا السلب من خلال سياسة "النقل الالزامي للتكنولوجيا" من الشركات الأميركية إلى شريكاتها الصينية (على طريقة الكفيل). يشير الدبلوماسيون الاميركيون الى أن الصين تُعاني من ضعف في القدرة على الابتكار نتيجة نظامها التعليمي الذي لا يُشجّع على التفكير الخلّاق، لذا تلجأ الى مثل هذه الأساليب للتقدم في الصناعة.

يبقى أن الحرب التجارية معقدة نتيجة تشابك الاقتصادات ببعضها بعضاً. على سبيل المثال، من أصل 375 مليار دولار هي العجز التجاري (عام 2017) بين البلدين، هناك 175 مليار دولار تقريباً من البضائع الأميركية المُصنّعة في الصين تُسافر منها إلى الولايات المتحدة وتُحتسب ضمن الصادرات.

كما أن العجز، رغم كونه الأكبر على مستوى العالم، لا يتحدث عن مكتسبات دول مجاورة مثل كوريا الجنوبية التي تُصنّع أجزاء من السلع الالكترونية الصينية، وهي بالتالي شريكة غير مباشرة في العجز التجاري. هذا التشابك يرفع من عدد ضحايا الحرب التجارية، لو استمرت.

شركة "جنرال موترز" الأميركية تعتبر الصين سوقها الأولى وتبيع فيها أكثر مما تفعل في الولايات المتحدة، إلى حد أن شركات السيارات الصينية تُعاني من المنافسة. وقد توفر هذه الحرب فرصة للصين لإعادة الامتياز والتفضيلات لشركاتها المحلية من خلال فرض جمارك على الصادرات الأميركية. وكذلك شركة "بوينغ" باعت طائرات إلى الصين بكلفة 37 مليار دولار العام الماضي.

إنها دولة تتقدم بخطى متسارعة، وتثير قلقاً أميركياً متصاعداً. أحد الصحافيين الأجانب الذين التقيتهم في بكين، كان مراسلاً في بيروت والقاهرة لصحيفة بريطانية لفترة سنوات، شرح بكلمات مدى سرعة التطور: "عندما أغيب عن الصين أسبوعين أشعر بالتغييرات، إذ لديها اقتصاد مُنافس وسيحل في المرتبة الأولى بعد سنوات. في الشرق الأوسط، أعود كل عشر سنوات والعالم يُراوح مكانه".