ترامب يرتجل حربًا تجارية كونية

محمد العزير
الجمعة   2018/03/09

ارتجل الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسبوع الماضي، حربًا تجارية عالمية تمثلت بإعلانه فرض تعرفة جمركية كبيرة على استيراد الفولاذ والألمنيوم بواقع 25 بالمئة على الأول وعشرة بالمئة على الثاني. إضطربت أسواق المال على وقع القرار المفاجئ لترامب وهبطت أسعار الأسهم في بورصة نيويورك حوالي 500 نقطة، واضطربت معها الأغلبية الجمهورية في الكونغرس التي سارع أركانها الى التنديد بالقرار والدعوة للعودة عنه، فيما كانت أروقة البيت الأبيض الذي أعلن منه القرار تعيش زوبعة من الفوضى، خصوصًا في مجلس الإقتصاد الوطني انتهت بإعلان مديره غاري كوهين استقالته من منصبه.

لم يخف بعض المسؤولين الذين حضروا اجتماع ترامب مع كبار الصناعيين، والذي أعلن فيه عن التعرفة الجديدة، دهشتهم من الإعلان. قالت مصادر صحافية متطابقة ان الرأي استقر بين ترامب ومستشاريه على عدم القيام بأية خطوة دراماتيكية في الاجتماع الذي جرى تنظيمه ضمن فعاليات ما يسمى "أسبوع صنع في أميركا" المخصص لتنشيط الصناعة الوطنية، الا ان ترامب المعروف بنزقه وشطحاته أورد الإعلان من خارج الملاحظات التي كانت معدة له للتصريح بها امام وسائل الإعلام، على الرغم من أن ترامب أوحى اكثر من مرة خلال حملته الانتخابية وبعد انتخابه نيته العودة الى سياسة الحماية الجمركية وأساليب ما قبل العولمة.

نجح ترامب المتمرس في القفز من سجال الى آخر في خطف الأضواء، واختفت لبعض الوقت المتابعات الإخبارية للتحقيقات التي يجريها المحقق المستقل روبرت موللر حول شبهة العلاقة بين حملة ترامب وبين التدخل الروسي في مجريات الانتخابات. لم يعد خبر تجريد صهره ومستشاره الأول المكلف بالشؤون الدولية جاريد كوشنر من اعلى مستوى تصريح امني الى مرتبة ادنى في المقدمة، وتراجعت العناوين عن الادعاءات الجديدة التي يعدها فريق التحقيق المستقل ضد مسؤولين سابقين في حملة ترامب. انتقل الاهتمام الى الكونغرس بمجلسيه لمعرفة ردة الفعل على هذا التغيير الجذري في السياسة التجارية الأميركية والتي يعتبر الجمهوريون من حزب الرئيس المساس بها انتقاصًا من الدور الريادي لأميركا في العالم.
لم يتأخر رئيس مجلس النواب الجمهوري بول راين عن استدعاء مراسلي الإعلام في الكونغرس ليعقد مؤتمرًا صحافيًا يرفض فيه قرار ترامب. قابله في الجانب الآخر من مبنى الكابيتول رئيس لجنة المال في مجلس الشيوخ السيناتور اورن هاتش الذي أعرب في تصريح فوري عن مخاوفه من تأثير خطوة ترامب على النمو الاقتصادي في اميركا بعد إقرار السياسة الضريبية الجديدة، واتبع ذلك برسالة الى البيت الأبيض بالمعنى ذاته. وحذا 100 عضو جمهوري من مجلس النواب حذو هاتش بتوجيه رسالة تحذير الى البيت الأبيض من مغبة القرار.

كعادته تجاهل ترامب ردود الفعل، ولم يتوقف عند استقالة مستشاره الاقتصادي الأول، وسارعت مصادر البيت الأبيض الى الإعلان عن بدء العمل على وضع تفاصيل السياسة الجديدة التي سيعلن عنها الرئيس "قريبًا". ولم يكتف ترامب بذلك بل اتبع إعلانه بتغريدة صباح اليوم التالي تقول ان "الحروب التجارية جيدة". لكن اللافت في موقف ترامب هو ان أكبر مصدري الصلب الى اميركا هم أقرب حلفائها. وفق إحصاءات العام 2016، كانت كندا المصدر الأكبر 16%، البرازيل 13%، كوريا الجنوبية، 10 بالمئة، المكسيك 9% تعادلها روسيا، ومن بعدهما تركيا 7% واليابان 5% وتايوان 4%. فيما تأتي الصين التي يدعي ترامب تصديه لها في المرتبة الحادية عشرة. اما أكبر مصدري الألمنيوم فهم كندا وروسيا والامارات العربية المتحدة والصين في المرتبة الرابعة. ويبلغ مجمل استيراد اميركا من الفولاذ خمسة اضعاف انتاجها، فيما يبلغ استيرادها من الألمنيوم تسعة اضعاف.

ويرى الخبراء ان دوي اعلان ترامب أكبر من مفعوله بكثير لدى قطاع المعادن في أميركا، حيث تشير الأرقام الى ان القطاع يشغل حوالي 150 ألف عامل فقط، بينما تشغل الشركات التي تستخدم المعادن ملايين العمال، خصوصًا شركات السيارات وصناعة الطائرات والبواخر والسكك الحديد وحتى الإنتاج الحربي. اما خبراء الإعلام الذين يرصدون مسيرة ترامب فرأوا في إعلانه الذي ترجمه الى مرسوم تنفيذي يوم الخميس محاطًا بجمع من عمال التعدين، محاولة لإبقاء الموضوع في مقدمة الأخبار المحلية والدولية درءاً لأمر آخر يتعلق بالتحقيقات المحيطة بإدارته.

لم يخطئ حدس الإعلاميين في محاولة ترامب التورية على أمر آخر اّلا أن ذلك الأمر لم يكن يتعلق بالتحقيقات الروسية وانما بتداعيات فضيحة جنسية تطاله تسللت قبل أسبوعين الى الشاشات والصحف، لكنها لم تنته كما انتهت الفضائح النسوية الأخرى التي لاحقته ولم يطوها النسيان. تحتوي الفضيحة الجديدة على كل مكونات الفضائح الكبيرة. ممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانييلز "دانييلز العاصفة"، اسمها الحقيقي ستيفاني كليفورد اقامت بين العامين 2006 و2007، علاقة جنسية مع ترامب بعدما وضعت زوجته الثالثة والحالية مالينيا مولودهما بارون.
بعد فوز ترامب بتزكية الحزب الجمهوري لإنتخابات الرئاسة، تلقت كليفورد من المحامي الشخصي لترامب مايكل كوهن 130 ألف دولار مقابل توقيعها على تعهد بعدم البوح بأية تفاصيل عن علاقتها بترامب الذي استخدم في التعهد اسمًا مستعارًا لكنه لم يوقع على الاتفاق. وتقدم محامو كليفورد بادعاء امام المحكمة العليا في لوس انجلس كاليفورنيا لتحريرها من بنود التعهد الذي لم يتم التوقيع عليه، بعدما اعترف كوهن انه دفع المبلغ المشار اليه من حسابه الخاص وانه لم يقم بذلك بناء على توجيهات ترامب او على امل الحصول على مقابل.
ويرى خبراء القانون ان ترامب يواجه مشكلة حقيقة في هذا الموقف. فاذا كان على علم بالإتفاق الذي تم دفع موجباته من حساب شركة وهمية انشأها كوهن لهذا الغرض فقط فيكون عليه الإبلاغ عن ذلك في سجله الضريبي، اما إذا كان كوهن صادقًا في انه بادر الى ذلك بنفسه فيعتبر ذلك بمثابة تبرع انتخابي يجب التبليغ عنه الى لجنة الانتخابات الفدرالية. وأعادت دعوى كليفورد الى دائرة الاهتمام دعوى أخرى قدمتها احدى المشاركات في برنامج ترامب التلفزيوني "المتدرب" سمر زيرفوس بتهمة التحرش الجنسي بها في العام 2007، الى جانب العديد من القضايا المسلكية التي تلاحق ترامب في أكثر من ولاية.

يبقى الهم الأكبر لترامب تحقيقات موللر التي تقترب أكثر نحو البيت الأبيض بعد صدور اتهامات جديدة لعملاء روس في التدخل في مسار الانتخابات الأميركية، على وقع موافقة المزيد من المعاونين السابقين لترامب والعاملين في حملته الانتخابية على التعاون مع التحقيق مقابل احكام مخففة. ومع ان التحقيق في التدخلات الروسية يحمل جدية أكبر، فإن دخول الفضائح الجنسية المعترف بها سيضفي على وقائع البيت الأبيض الكثير من التشويق والتلوين، فيما يبدو ترامب يعيش في عالمه الخاص الذي يتواصل منه عبر تويتر مع بقية العالم.


محمد العزير