أهداف حزبنا العظيم"أوفسايد"

أحمد عمر
السبت   2018/02/10

شهادة قيادة السيارة في ألمانيا العدية صعبة وشاقة، ودونها خرط القتاد، والقتاد في أيامنا، هو الألغام الأرضية، والحواجز، وجواز السفر الخالي من شهيق الوحدات وزفيرها، وقلة "اللايكات"، ووحشة فيسبوك. والشهادة مكلفة، وتعادل تكلفتها سعر سيارة من أوسط ما تشترون. أخبرني مدربي السيد إحسان انه درّب سيدة روسية تدريبا استغرق 104 ساعة، أي ما يمكن بكلفة تدريبها شراء خمس سيارات شموس.

والنازحون الأفاضل يشبّهون شهادة السواقة، بشهادة معهد متوسط هندسي، والمعهد يستغرق سنتين في سوريا، أما الحرب فقد استغرقت نصف قرن باردة وسبع سنوات لاهبة، وبجميع أنواع الأسلحة الحلال والمحرّمة دوليا.

أما في كندا شريف، فهي تعادل شهادة كلية جامعية، وتستغرق ثلاث سنوات على الأقل للنازح الراشد، فلا يحق لطالب الشهادة أن يتقدم لامتحان القيادة إلا بعد سنة من نجاحه في الامتحان النظري، فالشهادة مثل حمل أنثى حوت العنبر، يستغرق سنة ونصف أو ما يقارب سنتين، والحمل غير مضمون، فأنثى حوت العنبر قد تتعرض لحوادث كاميرا خفية سورية، وتسقط حملها من هول الصدمة، وخفة دم صانعي الفكاهة البعثيين.

وبعد نجاح السوري النازح إلى كندا المحتلة، في الامتحان النظري، سيصبر سنة أخرى، حتى يحق له خوض امتحان القيادة في المدينة، ثم سنة ثالثة، حتى يبلغ أشده، ويزيده الله بسطة في العلم، ويصير مؤهلاً للقيادة على الطرق الدولية السريعة. والسيارة ضرورية، فسيارات الأجرة نادرة في اوربا، ولا يمكن العثور عليها إلا في كتب أدلة السياحة، وبين حبات رمل ضاربي الرمل، وفي طيات مندل غوغل، واستعمالها أرخص من خدمات الوسائل العامة، وهناك كثيرون حائزون على شهادات قيادة عمومية، يسقطون في الامتحان الألماني، ألا في الفتنة سقطوا.

الامتحان في ألمانيا، أسهل منه في كندا، ففي الامتحان النظري، مئات الشاخصات المروية، والمسائل، وخطط النجاة التي تشبه مكائد الشطرنج وأحابيلها، وحالات المرور، تشبه صيد الوشق لحمار الوحش، فتتشابه عليه الحمير الموالية، والحمير المعارضة، لأن الموالية سوداء مخططة بالأبيض، والمعارضة بيضاء مخططة بالأسود. أعرف سوريين أذكياء، نجحوا في نيل الشهادة في فترة شهر قمري واحد، وهي قصيرة، اللهم فتقبّلهم في الصالحين، ولا نزكي على الله أحدا.

شراء السيارة امر سهل، وميسور، عُرضتْ على كاتب هذه السطور، سيارة بسعر 400 يورو، جيدة، وجديدة، فارض، وكأنها بكر عوان، و"خلنج"، قال لي عارضها الإيطالي العجوز، وهو يزمر من حنجرته، ويرتجف من البرد في الصيف، ويلهث، من عزف قوس الزمان على كمنجة الشيخوخة، ويعاني من تشمع الكبد، ونون النساء: إن السيارة ممتازة، لكن دواليبي نازلة، وعلى الحديدة، مصّت النساء عظامي، وأريد بيعها لأشرب حتى أنسى. فقلت تنسى ماذا يا البرتو، فقال: لا أتذكر!

والامتحان النظري في ألمانيا ابتلاء ومحنة، يشبه نيلها نيل شهادة "التوفل". وكان قبول برلمان الحكومة الألمانية بترجمة الأسئلة إلى العربية، منحةً وفضلاً، يسهّل على النازح الجريح ركوب الخيول الألمانية الحديدية، فيمكن وأنت تقود، أن تقف مع ميركل على إشارة المرور، فتزغرد لها محييا بالبوق السعيد، وتقول لها: مرحبا يا حلو. السيارات في ألمانيا كثيرة، فعائلة جاري كبيرة ومكونة من خمسة أنفار، وهي حالة نادرة في الخصوبة، لكل نفر منهم سيارة، فألمانيا بلد منتج للسيارات، وشركة أوبل الولود تنتج كل ثلاث وثلاثين ثانية سيارة!  الألمان مجدبون في إنجاب الآدميين، ومخصبون في نكاح الحديد الذكر بالحديد الأنثى!

  بعد أول اختبار، جسّ قيادة، وتشخيص حالة، وتقدير موقف، قال لي مدربي التركي السيد إحسان أوغلو بعد أن أبرزت له شهادة السواقة السورية: أريد أن أعرف من هو الثور الذي منحك الشهادة! فحككت ذقني، ثم عبست، ثم بسرت، ثم وصفتُ له امتحاني السوري لنيل الشهادة، الذي لم يستمر أكثر من خمس دقائق، وكان يشبه عبور الصراط، ومثل الأحجية. السيارة التي أجريت فيها الاختبار كانت قديمة، ومتهالكة، وبلغت من الكبر عتيا، وخاضت الحرب العالمية الأولى، ونجت بأعجوبة بعد عمليات جراحية لدى عيادات الإصلاح والصيانة الميكانيكية، وتصلح للإيداع في المتحف. كان مبدل السرعة مكسوراً، ومربوطاً بخرقة، مثل ساق مالك حزين كسرها الأولاد بالحجارة. طلب مني السيد الفاحص، صعود تلة من تلال النصر الاستراتيجية، والوقوف على سفح التلة، ثم صعود القمة، من غير أن ينطفئ محرك السيارة القديمة ذات القلب العجوز، ثم طلب مني أن أعود ستين سنة إلى الوراء، فنجحت في العودة “أنرييه“، لكن الأسد والسيسي كانا مني أنجح. لقد عاد البطلان، ببلديهما عشرات السنين إلى الوراء. هذا ما كانت أدبيات البعث تسميه حرق المراحل، وقد أحرقا مع المراحل الرواحل أيضاً. ألا في الفتنة سقطوا.

سألني عن الامتحان النظري، والمعلومات في وطني المعطاء قليلة، وهي ألف ومائتي سؤال في ألمانيا، عكفت عليها شهورا طوالا، فقلت له: إن الشاخصات قليلة في سورية، درستها ساعة، وهي حوالي مائة، يضاف إليها سؤال، تسأله اللجنة، يشبه سؤال عدّ أسماء المليون شهيد في الطرفة الشهيرة. سربها إليَّ من أصدقاء عبر وسيلة التخاطر و"التلباثي"، وفيه يسأل السيد الفاحص، الفدائي طالب الشهادة من الحكومة، التي تحب احتكار الشوارع، والسيارات، وتقرير المصير، وتحويل الشعب إلى حمير: ماذا يحدث لو أن وابلاً من المطر، كثيفاً، داهمك، وأنت تسعف أنثى حوت العنبر؟ ويكون جواب الطالب الحاضر: أشغّل مساحات الزجاج، فيسأله الفاحص: وإذا كان المطر غزيراً، سحاً، غدقاً، عاملاً، مجللاً، كأفواه القرب، والمسّاحات مكسورة، وأنثى حوت العنبر أتاها الطلق ضاحكاً، حتى كاد ربيعها يتكلما؟ الجواب، هو جواب لغز أوديب الذي جعل أبو الهول ينتحر بثلاث رصاصات في الرأس: حبة بطاطا، وليس بطيخة كما في الحزازير!

ينبغي على القارئ الهصور أن يعرف أن السماء شحت بعد الحركة التصحيحية، وسؤال المطر أحجية حقيقة لا معنى لها.

سيكون مع كل سائق حبة بطاطا في حقيبة الإسعاف، مع مثلثات الوقوف الطارئ، يقسمها بسكين إلى شرائح “سيريا تيل"، ثم يمسح بها زجاج السيارة، فنشاء البطاطا يجعل حبات المطر تنزلق، كما لو أنها تماسيح على جبل الصابون. لكن للأسف لم يسألني السيد الفاحص في لجنة صنع الله إبراهيم الثلاثية، هذا السؤال، الذي كنت قد حفظت جوابه عن ظهر قلب وبطنه أيضا، وإنما سألني سؤالاً آخر، وكان كميناً لا ينجو منه أكبر ذكر حوت عنبر. قال: أنت تقود السيارة على الطريق الدولي، وأشارت لك امرأة، تقف مثل مالك الحزين المكسورة قدمه، هيفاء، تروي الرضيع، وتدفي الضجيع، وهي تضع سيكارة في فمها، حمراء متوهجة، فماذا تفعل يا هملت؟

قلت، وأنا أفكّر مليا في ولع ضباط النظام السوري المنضم لزراعة البطاطا، وقد قتَلتني من قبل، قيل الفوارس ويك عنتر أقدم: أقف لها، وأخرج حبة البطاطا، من حقيبة الإسعاف بعد تقسيمها إلى قسمين، نصف لي، ونصف لها وأكمل طريقي الطويل.   ولم يسألني أسئلة أخرى، ولو سأل، لأجبت وقلت: أن البطاطا المعرضة للشمس سامة، فهي تكتسب بالشمس مادة اسمها السولانين. فنهض الفاحص وصافحني وقال: الجواب خاطئ لكنه أجمل من الصحيح، وقال.. نجحت، طوبى لك يا أبا حنظلة! نجحت، ونلت الشهادة، صابرا محتسبا، مقبلاً غير مدبر، ولا أزكّي على الله أحدا. أخذتها، وغنيّت لها أغنية النوم، فالسيارات في سورية دونها خرط القتاد، لغلاء مهرها، فالسيد الرئيس هو صاحب سوريا، جعلها مزرعة قتاد، وهو ولي أمرها، وأمر البلاد، إلى الأبد، ويوم المعاد.