خاشقجي وسخرية المعلم

إياد الجعفري
الأربعاء   2018/10/17

حينما تسمع وزير الخارجية يسخر من اختفاء صحافي، فاعرف أنك في "سوريا الأسد". إنه أفضل تعليق نشره متابعون على الفيديو الذي تم تداوله بكثافة بين السوريين، في الساعات الأخيرة. إلا أن سلوك وليد المعلم الساخر يكشف عن أشياء أخرى، إلى جانب تدني قيمة الإنسان في نظر مسؤولي النظام السوري.


فـ وليد المعلم، اشتُهر كدبلوماسي محنّك، حينما مثّل الجانب السوري في جولات مبكّرة من مفاوضات السلام مع إسرائيل، عام 1994، في مواجهة إيهود باراك، الذي كان حينها، رئيس أركان للجيش الإسرائيلي. وقد أقرّت الصحافة العبرية، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين، بحنكة المعلم، الذي كان حينها، سفيراً لبلاده في واشنطن.


في ذلك العهد، كانت اللقاءات بين حافظ الأسد والرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، تتم في معظمها، في جنيف، باستثناء زيارة تاريخية لـ كلينتون إلى دمشق. وكان ذلك تعبيراً عن الوزن الإقليمي الكبير لسوريا حينها. إلى ذلك العهد، يحنّ مسؤولو النظام المخضرمون، من أمثال المعلم، الذي ظهر تبرمه واضحاً في الضجيج الكبير المثار حول اختفاء خاشقجي. تبرمٌ أخفاه بالسخرية، وإدعاء الجهل باسم الصحافي السعودي الشهير. فقضية الاختفاء تلك لا تستحق، في نظر المعلم، أن تحتل العناوين الأولى من الأخبار، فيما تتذيل أخبار افتتاح معبر "نصيب" اهتمامات الاعلام.


وقصة افتتاح المعبر بالذات، مثّلت فصلاً مطوّلاً يعبّر عن تضاؤل قيمة النظام السوري في نظر محيطه الإقليمي. وخلال ثلاثة أشهر، تحدث إعلام النظام بكثافة عن "توسلات" الأردن الرسمي، لفتح المعبر، واشتراطات النظام المتعددة عليه، قبل أن يحرجه مسؤولو الأردن، مرتين متتاليتين، ويخلفوا مواعيد أعلنها النظام، لفتح المعبر رسمياً. ولاحقاً، كشفت مصادر غربية عن ضغوط روسية كبيرة على الأردن، لفتح المعبر، إلى جانب رغبة عمّان في الإفادة اقتصادياً من حركة الترانزيت الحيوية التي ستتولد عن ذلك.


وليد المعلم، الذي استُحدث منصب نائب وزير الخارجية، ليكون أول من يتقلده، مطلع العام 2005، حيث كُلف بملف العلاقات مع لبنان، في وقت بالغ الحساسية، والذي قاد نشاطاً دبلوماسياً محموماً لفك العزلة عن سوريا، بعيد العام 2006، بعد توليه منصب وزير الخارجية حيث زار أبرز عواصم العالم حينها، أصبح سقف اختراقاته اليوم، أن يصافح وزير خارجية البحرين، ويتحادث معه، لبضع دقائق، على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة. وأن يزور موسكو وطهران، من حين لآخر. لذلك، لا بد أن يشعر المعلم بالضيق. ففيما كان العالم مشغولاً بتطورات اختفاء الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، كان المعلم يلتقي نظيره العراقي، في سياق رهان نظامه على معبر جديد مع العراق، في البوكمال. لكن هذا التطور، الذي يعتقد المعلم، أنه نوعي، لم يُثر اهتمام الكثيرين حول العالم.


تغيب الأضواء عن قادة ومسؤولي النظام السوري. فـ بشار الأسد، الذي استقُبل في عواصم الدول الكبرى، في الإقليم والعالم، خلال العقد الفائت، يتلقى دعوة لزيارة جزيرة القرم، المعترف بها، فقط من روسيا. وتنحصر قائمة زواره بقادة دول من قبيل أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، التي تدور في الفلك الروسي. ورغم الحديث عن إعادة تأهيل نظامه، بضوء أخضر إقليمي ودولي، ما يزال الطريق إلى الاعتراف الرسمي بإعادة التأهيل تلك، طويلاً، في ما يبدو.


وفي الوقت الذي تتواصل فيه الاتصالات السرّية مع نظام الأسد، ما تزال معظم الأطراف الإقليمية والدولية، غير مستعدة حتى الآن، للقاء مسؤولي النظام أمام الأضواء. فلا أحد يريد دفع فاتورة ذلك في العلن، ما دام النظام مضطراً للتعاون في السرّ. حتى أن معبر "نصيب" فُـتح من الجانب الأردني دون حضور أي من المسؤولين الأردنيين.


وبقدر ما عرّت أحداث الثورة السورية سوءات مسؤولي النظام السوري، وكشفت عن مدى هشاشة الحسّ الإنساني والوطني لدى غالبيتهم، بقدر ما بدا وليد المعلم "فظاً" في سخريته من قضية اختفاء خاشقجي. وإن كان لم ينجح في إخفاء تبرمه من الاهتمام العالمي بقضية إنسانية، إلا أنه نجح، كالعادة، في استفزاز الكثيرين من مشاهديه.