حمزة بن لادن

مهند الحاج علي
الإثنين   2017/09/11

منذ فترة يتداول محللون وخبراء غربيون، إسم حمزة بن لادن (27 عاماً) نجل زعيم القاعدة الراحل، وريثاً للحالة السلفية الجهادية بعد الهزائم المتتالية لتنظيم داعش ومقتل قائده أبو بكر البغدادي، أو فراره وتخفيه. رغم أرجحية هذا الاحتمال، تبقى في الروايات المنسوجة حول حمزة أخيراً، وتاريخه، علامات استفهام، سيما إقامته في إيران، وإلى حد ما، حول تعويمه اعلامياً. 

قبل سنتين، قدم الظواهري حمزة في تسجيل صوتي، بطريقة تُوحي وكأنه يُهيئه لخلافته، وسريعاً: ”أترككم مع الأسد بن الأسد، المجاهد بن المجاهد، المرابط بن المرابط، الحبيب بن الحبيب، ابن الشهيد وأخو الشهداء كما نحسبهم ولا نزكيهم على الله، ولدنا الحبيب حمزة بن أسامة بن لادن“.

في كلمته، لم يخرج حمزة كثيراً عن الخطاب التقليدي لتنظيم ”القاعدة“، إذ دعا إلى هجمات ضد الغرب واسرائيل. الفارق الوحيد ربما تركيزه الزائد على اسرائيل. لا يعني هذا التركيز أبداً استعداداً لصدام، بل وعي لأهمية فلسطين في جذب المجندين الجدد. حتى أسامة بن لادن كان يعتبر الكلام الدعائي عن اسرائيل، بمثابة فقاعة هواء لا تُترجم على أرض الواقع. قوى ما يُسمى الممانعة وعلى رأسها النظام السوري، مُتخصصة في حصد فوائد خطاب فلسطين في غيرها. 

في شخصية حمزة، كما قدمها الإعلام الغربي، بعض من حكايا الأساطير. هو وحيد أمّه، السعودية خيرية صابر التي تخصصت بعلم نفس الأطفال، وأفرغت الكثير من وقتها لتعليم نجلها وتثقيفه إسلامياً. أمضى سنوات مع والده في السودان وأفغانستان وباكستان حيث افترقا، إذ غادر حمزة مع والدته وأفراد من عائلته ومسؤولين في القاعدة، إلى إيران. 

واللافت أن بن لادن الإبن تثقف في إيران على أيدي قياديين في تنظيم، بعد طلب من أمّه، رغم رصدهم جميعاً من أجهزة الأمن الايرانية، وفقاً لمقالة مطولة ومُفصّلة عن نجل مؤسس القاعدة، كتبها المسؤول السابق في مكتب التحقيقات الفيديرالي (أف بي آي) علي صوفان. لكن لماذا سمحت ايران لبن لادن بكل هذا النشاط التثقيفي، رغم أن من بديهيات الأمور المعرفة المسبقة باحتمال لعبه دوراً في وقت لاحق؟ بيد أن حمزة ظهر منذ كان طفلاً إلى جانب أبيه، وبخاصة في فيديو عرس أخيه غير الشقيق، محمد، في قندهار عام 2001 وهو يتلو قصيدة فصيحة له رغم صغر سنه (11 عاماً حينها). وقصة التبادل بين ايران والتنظيم عصيّة على الفهم أيضاً، إذ هل يُعقل أن يحصل الأخير على قياديين كبار وعائلة مؤسسه، مقابل ديبلوماسي ايراني يتيم؟

صوفان استخدم في مقاله المنشور في مجلة أكاديمية متخصصة بالإرهاب، مقتطفات من رسائل بن لادن، صادرتها القوات الخاصة الأميركية من مقر اقامته في أبوتاباد الباكستانية بعد قتله. ومقاله أسوة بالصحافة الغربية، يرسم صورة مثالية لحمزة. فقيه في الدين، ويركب الخيل كوالده. وكان نجله المُفضل من زوجته المفضلة والمثقفة. حتى الشبه بينهما كبير. شبكة ”سي بي أس“ الإخبارية الأميركية، رسمت صورة تقريبية لحمزة بمساعدة خبير، وبناء على صوره السابقة، ظهر فيها نُسخة طبق الأصل عن أبيه في سنه الحالي. 

في مقال صوفان، رواية درامية لحمزة عند مقتل والده. كان النجل المفضل في طريقه من مخبئه الباكستاني للالتحاق بوالده في أبوتاباد، لكنه توقف في نصف الطريق بعدما علم بمقتل والده وأخيه غير الشقيق خالد. 

في الرسائل بين حمزة وأسامة، شوق للقاء والتزام بالخط الجهادي. وهناك أيضاً رسائل بين أسامة وقادته، احتوت مديحاً بصفات حمزة وتواضعه، ودوره المقبل. بحسب إحدى هذه الرسائل، طالب أسامة بن لادن أحد قيادييه، عطية الله الليبي، بأن يلعب حمزة دوراً بارزاً “في الجهاد العالمي، يتمثل في دراسة الشريعة الإسلامية، ومحاولة تصحيح الجهاد على ضوئها”. 

ومن المعروف أن بن لادن الأب لم يكن فقيهاً بالمستوى المطلوب، بل استعاض بمن هم أكثر تبحراً منه في هذا المجال. ولربما رأى في حمزة قيادياً مستقبلياً قادراً على الجمع بين القدرة العسكرية والسياسية من جهة، وبين التفقه بالدين من جهة ثانية. 

معظم المواضيع الصحافية الغربية أجمعت على اعتبار حمزة وريثاً للبغدادي، سيما أن الأول تجنّب انتقاد ”داعش“ كما فعل الظواهري مرات. وهذا السلوك محسوب وفقاً للمحللين الغربيين الذين يرون أن الوقت حان لتولي بن لادن قيادة التنظيم خلفاً للظواهري. بعدها سيُمثل ورغم أن جبهة فتح الشام، النصرة سابقاً، انفصلت عن التنظيم الأم، إلا أن هناك من ما زال يراها جزءاً من جيش سيرثه بن لادن الابن في باكستان وشمال افريقيا واليمن.

قد تكون ”داعش“ مقبلة على نهايتها. لكن تبدو هذه النهاية لحقبة ”داعش“، بداية حلقة جديدة من مسلسل القاعدة ببطولة حمزة بن لادن.