وثيقة أخرى للإخوان المسلمين في سوريا!

ماجد كيالي
الأربعاء   2017/06/28

بعد أن أصدرت حركة "الإخوان المسلمين" في سوريا وثيقتها: "العهد والميثاق" (آذار 2012)، هاهي تصدر وثيقة جديدة، عنوانها: "ميثاق وطني لمواجهة تقسيم سورية" (راجع "المدن"، 12/6).

وللتذكير فإن الوثيقة الأولى، التي أتت في فترة صعود الثورة السورية، تعهدت بإقامة "دولة مدنيّة، تقوم على دستور مدنيّ.. يحمي الحقوقَ الأساسية للأفراد والجماعات...وفصل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية...دولة ديمقراطية تعددية تداولية... ذات نظام حكم جمهوريّ نيابيّ، يختار فيها الشعب من يمثله ومن يحكمه.. دولة يكون فيها الشعبُ سيدَ نفسه...دولة مواطنة ومساواة، يتساوى فيها المواطنون جميعاً، على اختلاف أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم واتجاهاتهم.. دولة تلتزم بحقوق الإنسان.. من الكرامة والمساواة، وحرية التفكير والتعبير، وحرية الاعتقاد والعبادة، وحرية الإعلام، والمشاركة السياسية، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية.. دولة العدالة وسيادة القانون، لا مكانَ فيها للأحقاد، ولا مجالَ فيها لثأر أو انتقام.. دولة تعاون وإلفة ومحبة، بين أبناء الأسرة السورية الكبيرة، في ظلّ مصالحة وطنية شاملة."

وفي الحقيقة فقد كانت هذه الوثيقة بالغة الأهمية، في وقتها، في القيم والأفكار التي تضمنتها، وفي معانيها بالنسبة للثورة السورية، وفي مغزاها بالنسبة للثقافة السياسية لهذه الحركة، وكانت ضرورية في محاولتها خلق اجماعات وطنية جديدة بين السوريين، وبناء الثقة بين مختلف مكوناتهم السياسية والاجتماعية.

بيد أن مشكلة الإخوان، في غضون كل ذلك الوقت، وفي معمعان التجربة المضنية والصعبة للثورة السورية، أنهم لم يحولوا تلك الوثيقة إلى ثقافة عامة بين مختلف منتسبيهم، وأنها بدت كطارئ على ثقافتهم السياسية، وأنها جاءت لتلبية حاجة ظرفية، ولتعزيز مكانة هذه الحركة في المجتمع السوري، أي كأنها جاءت فقط لتلبية أغراض وظيفية، بدليل أنهم لم يشتغلوا على فرضها في الخطابات السياسية للثورة السورية، التي انزاحت لصالح الخطابات التي طرحتها الجماعات السلفية المتطرفة.

بالنتيجة وكما شهدنا فإن هذا الانزياح نحو التدين والتطييف في الثورة السورية، أضر بالثورة، وبإجماعات السوريين كشعب، كما أضر بحركة الاخوان المسلمين ذاتها في سوريا، بوصفها حركة سياسية مدنية، ومعتدلة، إذ أظهر وكأن لا فرق في النوع بينها وبين الجماعات السلفية المتطرفة والعنيفة. وكان الأجدى لو أن هذه الحركة ميزت نفسها عن تلك الجماعات، ولم ترتكن لأطروحة "أخوة المنهج" المزيفة والمخادعة، واكتسبت مشروعيتها من دفاعها عن قيم الثورة ومقاصدها الأساسية المتعلقة بالحرية والكرامة والمواطنة والديمقراطية، كما فعلت في وثيقة "العهد والميثاق.

الآن، نحن إزاء وثيقة جديدة للاخوان المسلمين في سوريا، تركز على وحدة سوريا، ومواجهة مشاريع التقسيم، وباعتبارها يتناقض مع إرادة السوريين، وسببا لإطالة الصراع على سوريا، وتعقيدا للمشهد السياسي فيها وفي عموم المنطقة. وفي تلك الوثيقة تم التأكيد على "الأخوة الوطنية التي تجمع جميع السوريين؛ مسلمين ومسيحيين، عرباً وكرداً وتركماناً، سنة وعلويين ودروزاً وإسماعيليين"، كما أكدت على أن على جميع مكونات الشعب السوري تريد "العيش معاً في ظل الدولة الوطنية الواحدة، وبنية مجتمع مدني موحد". وحذرت من أن "المجموعات المتطرفة لا يمكنها أن تخطف التمثيل للمكونات المجتمعية الأصيلة، فكما أن ما يسمى تنظيم الدولة لا يمثل المسلمين، فبشار الأسد لا يمثل العلويين وليس له أو لنظامه مكان في مستقبل سوريا، وكذا كل المغامرين المتواطئين على وطنهم ومجتمعهم لا يمثلون المكونات التي اختَطفوا عناوينها".

اللافت أن هذه الوثيقة، على أهميتها وضرورتها، أولاً، لا تشير إلى أسباب إزاحة مضامين الوثيقة السابقة، التي تحدثت عن الدولة المدنية الديمقراطية ودولة المواطنين المتساوين عن الوثيقة الجديدة، لأنه لا معنى لسوريا الجديدة من دونها. وثانيا، أنها لم تتحدث عن مخاطر الانشقاق الأساسي الناجم عن صعود التيارات السلفية الجهادية المتطرفة والاستئصالية في الثورة السورية، باعتبارها من أهم العوامل التي تدفع نحو تقسيم سوريا، وتقسيم مجتمع السوريين على أسس أثنية وطائفية ومذهبية. وثالثا، أنها تركز على وحدة سوريا الجغرافية بدل التركيز على وحدة مجتمع السورين بكل مكوناتهم الأثنية والطائفية والمذهبية، وهذا لا يمكن أن يكون من دون إقامة دولة مواطنين أحرار ومتساوين في دولة مدنية ديمقراطية، أي لا طائفية ولا دينية ولا عسكرية.

مطلوب من حركة الإخوان المسلمين في سوريا أن تطبع مع ذاتها كحزب سوري، يهمه مستقبل سوريا لكل السوريين متساوين وأحرار، وتمييز نفسها عن الجماعات السلفية المتطرفة، التي أسهمت في تخريب الثورة السورية وتمزيق مجتمع السوريين.