في الطريق إلى دير الزور

إياد الجعفري
الأحد   2017/05/28

دعنا نتصور السيناريو الآتي: قوات سورية، كردية وعربية، تسيطر على محافطتي الرقة ودير الزور والبادية السورية وصولاً إلى الحدود الأردنية، في مساحة جغرافية تؤمن تواصلاً لوجستياً، من حدود الأردن، إلى حدود تركيا، مضافاً إليها المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات الكردية المتحالفة مع الأمريكيين، في الشمال، والشمال الشرقي (الحسكة وتل أبيض وعين العرب).

 

تلك الميليشيات، بجناحيها الرئيسيين، "قوات سوريا الديمقراطية"، ذات القوام الكردي، وفصائل العشائر العربية التي ينتمي معظم منتسبيها إلى محافظة دير الزور، ("جيش أسود الشرقية" و"قوات الشهيد أحمد العبدو" و"لواء شهداء القريتين".. إلخ)، متحالفة مع الأمريكيين، وتعمل براً بغطاء جويّ أمريكي، ودعم تسليحي وتوجيهي أمريكي.

 

لو أُتيح لتلك الفصائل السيطرة على المناطق المذكورة، قد نكون أمام توازن جديد للقوى في سوريا، تصبح فيه الكفة الأمريكية هي الراجحة.

 

في الأسابيع القليلة الماضية، اتضح أن الأمريكيين يولون جلّ اهتمامهم لجبهتين من سوريا، الرقة، التي تتقدم باتجاهها "قوات سوريا الديمقراطية"، بغطاء أمريكي. والبادية السورية، في الشريط الموازي للحدود الأردنية والعراقية، التي تتمركز فيها فصائل من العشائر العربية المدعومة أمريكياً. وفي الجبهة الأخيرة، تشير كل المعطيات إلى أن الهدف القادم لتلك الفصائل بتوجيه أمريكي، هو دير الزور.

 

لكن ماذا يعني أن يبسط الأمريكيون سيطرتهم على البادية السورية ومحافظتي الرقة ودير الزور، عبر حلفائهم السوريين على الأرض؟.. يعني ببساطة، خسائر من العيار الثقيل للروس والإيرانيين، من الناحيتين الاستراتيجية والاقتصادية.

 

أما من الناحية الاستراتيجية، يعني ذلك لإيران خسارة تواصلها البري مع نظام الأسد وحزب الله، الذي من المفترض أن يمر عبر البادية السورية، أو عبر شمال سوريا الخاضع لسيطرة الأكراد. وهاتان المنطقتان، ستكونان، وفق السيناريو المذكور أعلاه، محرمتين على الإيرانيين، بموجب توجيه أمريكي.

 

نستطيع أن نصف هذا السيناريو، لو تحقق، بأنه قاتل للإيرانيين. لأنهم يعتبرون التواصل البري بين سوريا والعراق، حجر أساس في مشروعهم بالمنطقة. وسيمثل هذا السيناريو، لو تحقق، نقطة مقتل لنظام الأسد وحزب الله، فهما سيصبحان معزولين عن الدعم البري القادم إليهم من إيران عبر الأراضي العراقية.

 

أما من الناحية الاقتصادية، فسيكون المقتل مضاعفاً لنظام الأسد، ولداعميه الإيرانيين، وكذلك ربما لروسيا، لو ذهب هذا السيناريو إلى حدوده القصوى. ذلك أن أكثر من 92% من احتياطي النفط السوري سيكون في قبضة الفصائل المتحالفة مع الأمريكيين، وسيبقى نظام الأسد، إلى أمدٍ بعيدٍ، يعيش على أنبوب إعاشة نفطي، إيراني. وهو ما يعني أن العبء الاقتصادي لدعم نظام الأسد سيستمر مدداً أطول، ثقيلاً على كاهل الإيرانيين.

 

أما بالنسبة للروس، فإن أحد أسباب تدخلهم الرئيسية في سوريا، المتعلقة بمنع مد خط أنابيب للنفط أو الغاز من الخليج عبر سوريا إلى أوروبا، بصورة تُنهي حاجة الأوروبيين للنفط والغاز الروسي، سيصبح متاحاً، عبر الأردن، مروراً بالبادية السورية، ثم مناطق سيطرة الأكراد في الشمال، مروراً بتركيا، فأوروبا.

 

إذا أُنجز السيناريو المذكور أعلاه، سيترك الأمريكيون "سوريا المفيدة" حسب تعريف نظام الأسد، للإيرانيين والروس، بكل ثقلها الديمغرافي، وحاجاتها الاقتصادية، وشح مواردها. ويستولون على "سوريا غير المفيدة"، بكل مواردها الغنية، والديمغرافيا الخفيفة المتواجدة فيها.

 

بطبيعة الحال، من المبكر جداً الحديث عن تحقق هذا السيناريو، لكن يبدو أن الأمريكيين يعملون باتجاهه. وهو ما يدركه نظام الأسد وحلفاؤه الإيرانيون والروس، الأمر الذي دفع الإيرانيين إلى التحرش بالأمريكيين بقافلة من المقاتلين الذين توجهوا صوب معبر التنف، رغم تحذيرات الروس المنقولة عن الأمريكيين. وكان الرد الأمريكي حاسماً، عبر تدمير تلك القافلة بعد أن رفضت الانصياع للتحذيرات التي وجهت إليها.

 

السباق إلى دير الزور، حسبما يجزم الكثيرون من المراقبين، سيكون المعلم الأبرز للمشهد السوري في الفترة القادمة. لكن قد تكون لدى الأمريكيين مشاكل جدية في تنفيذ أهدافهم، بهذا الخصوص، أبرزها، عدم كفاءة فصائل العشائر العربية، التي لم تستطع صد قوات النظام عن التقدم في عمق البادية السورية، خلال الأيام القليلة الماضية، الأمر الذي قد يضطر الأمريكيين للتدخل جواً، والاشتباك في جولات حربية أخرى مع نظام الأسد، وهو تورط لا يبدو أن الأمريكيين يريدونه، إلا في الحدود الدنيا.

 

ورغم رغبة الأمريكيين، يبدو أن الطريق إلى دير الزور، قد يضطرهم إلى تغيير بعض قواعد اللعب الخاصة بهم في سوريا، وفي مقدمتها، عدم الاشتباك مع قوات الأسد، والميليشيات الحليفة له. وهنا تصبح الأبواب مُشرّعة أمام سيناريوهات عديدة محتملة.