كره ايران وحب اسرائيل

حسين عبد الحسين
الجمعة   2017/05/19


اذا صحّ ما نشرته صحيفة “وال ستريت جورنال” حول مبادرة بعض العواصم العربية باقتراح المباشرة بخطوات سلام مباشرة بينها وبين اسرائيل، من دون المرور بالفلسطينيين، فان ذلك يعكس ما عكف المسؤولون الاسرائيليون على تكراره،على مدى الاعوام القليلة الماضية، لناحية ان الخوف الاسرائيلي والعربي المشترك من اطماع ايران وتمددها في منطقة الشرق الاسط دفع العرب الى تقارب مع الاسرائيليين، وان عواصم عربية اقامت قنوات اتصال سرية مع تل ابيب. ويتابع الاسرائيليون انهم يأملون في ان يؤدي التقارب السري الى التوصل الى سلام عربي مع اسرائيل، وان هذا السلام من شأنه ان يساهم في التوصل الى سلام اسرائيلي مع الفلسطينيين. 


ادعاء اسرائيل ان “الخوف من ايران” هو خوف عربي اسرائيلي مشترك هو قول حق يراد به باطل، فالعرب لا يهابون ايران، ولا يعتقدونها تهديدا لوجودهم، بل هم يتذمرون من عدم احترام ايران اصول حسن الجوار، وسعيها المتواصل لتقويض سيادة الحكومات العربية بدعمها وتسليحها ميليشيات غير حكومية موالية لها، كما يعترضون على وقوفها في صفّ طغاة عرب يكاد يجمع الرأي العام العربي على ضرورة التخلص منهم.


لكن مشاكل العرب مع ايران لا تعني تقاربا تلقائيا مع اسرائيل، ويخطئ بعض العرب ممن يعملون على مقارنة دموية حلفاء ايران بحق السوريين بالظلم الاسرائيلي الأقل دموية بحق الفلسطينيين. صحيح ان عدد ضحايا ومهجري سوريا صار اكبر من عدد ضحايا اي حرب او أزمة في الذاكرة المعاصرة، لكن مقتل فلسطيني واحد وعشرة سوريين لا يعني ان اسرائيل افضل من ايران، بل يعني ان العرب يعانون من ظلم وقتل من قوتين اقليميتين هما اسرائيل وايران، ولا سبب للمفاضلة بينهما وتجميل دموية واحدة وتقبيح دموية اخرى.


لم يكن الربيع العربي سياسيا، ولم تكن اهدافه سياسية، بل كان انتفاضة شعبية عفوية للاطاحة بظلم وغبن، ومحاولة استبدال الطغاة بحكومات أكثر تقيدا بمبادئ الديموقراطية والحرية وحقوق الانسان، حكومات تتمتع بشفافية أوضح ومصداقية أكبر وقادرة على التجاوب مع طموحات العرب الاقتصادية والمعرفية، وهو ما يعني ان الانتفاضة على طاغية لا يعني مسايرة طاغية آخر، وان اهداف الربيع العربي هي اهداف سامية لا تأخذ في عين الاعتبار التواءات سياسية مثل “عدو عدوي هو صديقي”. 


ولأن الربيع العربي هو ثورة من اجل المبادئ لا السياسة، لا يشكل “غياب البديل” في الحكم أزمة كالتي دأب الديكتاتوريون العرب على تصويرها، فهدف الانتفاضات الشعبية اعادة احياء القوانين والمؤسسات، بغض النظر عن الاداء في الحكم لهذا الفريق او ذاك، فالقوانين والمؤسسات شؤون ثابتة نسبيا، فيما اداء فريق في الحكم هو موضوع متحرك يتغير مع الانتخابات الدورية المثبتة في الدساتير.


هكذا، يخطئ كل عربي يعتقد انه يمكن الفرار من القبضة الايرانية الى الحضن الاسرائيلي، كما يخطئ كل عربي ممن يعمد الى المفاضلة بين ظلم قاس وظلم لين، فالظلم ظلم، واولوية التخلص من دموية حلفاء ايران في سوريا، مثلا، لا تعني التغاضي عن المأساة التي تتسبب بها اسرائيل للفلسطينيين. ولا تعني مكافحة ايران واسرائيل سوية ضرورة القبول بفساد بعض الحكومات العربية، او التغاضي عن اختبائها خلف غبار المعارك والأزمات للاثراء غير المشروع.


الحرية من الطغيان، الايراني ام الاسرائيلي ام حتى العربي، الشيعي كما في حالة الرئيس السوري بشار الأسد ام السني كما في حالة الرئيس  العراقي الراحل صدام حسين، هي حرية على العرب ان يصبوا اليها في كل زمان وفي كل حين، حتى لو تعثروا هنا او هناك.أما كيف تتعامل اسرائيل مع هواجسها تجاه ايران، فهذا شأنها. هذه الهواجس، ان كانت حقيقية، لا تحول جلادي الفلسطينيين المطلوب التخلص من ظلمهم الى ضحايا لايران مطلوب التعاطف معهم.