هل تتجدد الضربات بين إيران ـ إسرائيل

بسام مقداد
السبت   2024/05/04

بعد التعثر الأخير في التوصل إلى  صيغة هدنة في حرب إسرائيل على غزة، عادت إسرائيل إلى شن الغارات على دمشق، وتعززت توقعات غزوها لمدينة رفح. ويؤكد هذا التطور في الوضع إلى ما يذهب إليه بعض المحللين من أن غزة أصبحت الحلقة التي ترتبط بها معظم التطورات في المنطقة. فبعد الضربات "الحبية" بين إيران وإسرائيل، تولد إنطباع بأن قطبي الحرب يتحاشيان المواجهة المباشرة، ولن تتوسع إلى المنطقة بأسرها، بل وانخفض مستوى المخاوف من تخطيها حدود الشرق الأوسط. 

لكن الآمال التي عقدت على توقف تبادل الضربات بين إيران وإسرائيل واقتصارها على ضربات "حبية"، وجه إليها فشل لقاء القاهرة الأخير ضربة قاسية لا تعد سوى بجولات عنف جديدة في المنطقة. فقد نقلت صحيفة MK الروسية المخضرمة في مطلع الجاري عن باحث روسي في شؤون الشرق الأوسط قوله بأن الحرب بين إسرائيل وغزة تنتظر جولة تصعيد جديدة. نقلت الصحيفة عن مدير مركز دراسة بلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطى Semyon Bagdasarov تأكيده على إستمرار المواجهة بين إسرائيل وحماس. وعلل الخبير تأكيده بأن صفحة حماس لم تطو، بل تضطرم حرب عصابات في وسط القطاع وشماله. وليس من المعروف كم ستصمد إسرائيل في حرب الإستنزاف مع حماس، وما سيحصل بعد ذلك. ولذا لايستقيم الحديث عن نهاية الحرب في الوضع الحالي. 

وفي الرد على سؤاله عن إمكانية إستئناف الضربات الصاروخية بين إسرائيل وإيران، وكذلك الأذرع الإيرانية في المنطقة، قال الخبير بأنه لا يمكن إستبعاد ذلك. وأشار إلى زيارة الرئيس الإيراني الأخيرة إلى باكستان وتصريحه خلالها بأنه إذا حاول الإسرائيليون مجدداً قصف إيران بالصواريخ، فلن يتوانى عن "تدمير إسرائيل بالكامل".  

وعن إمكانية أن يتحول الشرق الأوسط إلى بؤرة لحرب عالمية ثالثة، لم ينف الخبير مثل هذه الإمكانية، وقال بأن الحرب لم تنته بعد، وليس من المعروف حتى الآن إلى ما ستتطور إليه. 

كما نقلت الصحيفة عن الخبير العسكري الروسي Yuri Lyamin نفيه أن تكون الحرب بين إسرائيل وحماس في طور النهاية. فالحرب لا تزال مستمرة، وهي السبب الأول وراء جميع حالات تفاقم الوضع. وهو لا يرى أي علامة تشير إلى قرب نهاية المواجهة بين إسرائيل وحماس. صحيح أن الأعمال القتالية متوقفة الآن، لكن القيادة الإسرائيلية لم تبلغ أياًَ من الأمور التي دأبت على تكرارها منذ تشرين الأول/أوكتوبر المنصرم. وإذا ما تركت كل شيئ على حاله كما هو الآن، فذلك سيعني هزيمة تامة لإسرائيل وانتحاراً سياسياً لحكومتها الحالية.

قالت الصحيفة بأن إيران أعلنت بعد توجيه ضربتها إلى إسرائيل بأنها تعتبر الصراع منتهياً، في حين لم يصدر عن إسرائيل تصريح مشابه. وسألت الخبير العسكري ما إن كان يتوقع تجدد المواجهة بين الطرفين. رأى الخبير أن الطرفين سيتفاديان تجديد الضربات المتبادلة في الوقت القريب، لكن لا يمكن ضمان شيئ على وجه اليقين، طالما أن دينامية الصراع الراهن في الشرق الأوسط ترتبط بالمواجهة الفلسطينية الإسرائيلية. 

وعن توقع العديد من المحللين أن تنطلق الحرب العالمية الثالثة من الشرق الأوسط في العام 2024، رأى الخبير أن جميع هذه التوقعات لا معنى لها، إذ أن عوامل كثيرة جداً "نجهلها" تترك تأثيرها على الصراع. فعدا الشرق الأوسط ثمة نقاط أخرى ملتهبة أو هامدة مؤقتاً في العالم، لكنها قابلة للإنفجار. وهو على ثقة أكبر بأن العالم في السنوات المقبلة من المرجح أن يواجه سلسلة من الحروب المحلية أكثر من حرب عالمية كبيرة واحدة.

موقع absatz الروسي، وفي يوم الرد الإسرائيلي "الحبي" في 19 المنصرم على القصف الإيراني، نقل عن خبير روسي توقعه أن تستمر إيران وإسرائيل في تبادل القصف دون تخطي الخطوط الحمراء. الخبير في شؤون الشرق الأوسط البروفسور في جامعة موسكوAlexander Vavilov رأى أن الأحداث في المنطقة سوف تتطور في سياق تبادل القصف بين إيران وإسرائيل. لكن ثمة خطوطاً حمراء لا يسمح أي من الطرفين لنفسه  بتخطيها. سوف يتبادل الطرفان القصف والتهجمات الكلامية النارية، لكنهما لن يتخطيا ذلك إلى حرب شاملة. الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وروسيا يدعون جميعاً الطرفين لضبط النفس في العلاقات بينهما، وسيكون المجتمع الدولي عاملاً رادعاً لكلا الطرفين. الأهداف ستكون محض عسكرية، وسيحاول الطرفان تفادي الخسائر وسط السكان المدنيين. 

صورة إيران وإسرائيل الملتزمتين بخطوط حمراء والمنصتتين للمجتمع الدول التي يقدمها بروفسور جامعة موسكو، تبدو شديدة التناقض مع جرائم إسرائيل التي تكاد توصلها إلى قفص الإتهام في محكمة العدل الدولية. وليست أقل تناقضاً مع الطموحات الإمبراطورية الفارسية التي تزعزع إستقرار الشرق الأوسط منذ قيام ثورة الملالي في إيران.

الموقع عينه نشر لخبير آخر في شؤون الشرق الأوسط قبل يوم واحد من نشر البروفسور صورته عن إيران وإسرائيل. نقل الموقع عن المستشرق Boris Dolgov قوله في 18 المنصرم أن طهران ستتخذ الإجراءات القصوى، وتقوم بهجمات على أهداف محددة او هجمات واسعة النطاق على المستودعات النووية الإسرائيلية، في حال قامت تل أبيب بتوجيه ضربات وقائية للمواقع النووية والمراكز الإستراتيجية الإيرانية. وكان المستشرق يستند في كلامه إلى ما صرح به قائد وحدة الدفاع النووي والأمن في فيلق القدس الجنرال أحمد هطلب، من أن طهران حددت مواقع المراكز النووية في إسرائيل، وهي مستعدة لتدميرها في حال واصلت تل أبيب هجماتها. 

يؤكد المستشرق إمكانية إيران على الرد، حيث أن مواقع المراكز النووية الإسرائيلية معروفة، وإسرائيل بلد صغير وأراضيها ظاهرة للعيان. ويرى أن عمليات إيران الإستباقية مستبعدة كلياً، وذلك لأنه في هذه الحالة ستتدخل الولايات المتحدة لصالح إسرائيل، وهو ما ليس في مصلحة إيران. 

موقع Caliber.Az الأذري الذي يعمل باللغات الإنكليزية والروسية والأرمنية نشر في الأول من الجاري مقابلة مع محلل عسكري إسرائيلي تحدث فيها عن العواقب بعيدة المدى لتبادل الضربات بين إيران وإسرائيل. قال المحلل الإسرائيلي الجنرال Yakov Amidror أن الإستراتيجية الإيرانية لغزو الشرق الأوسط تتكون من عنصرين. 

العنصر الأول رآه الجنرال في توسيع النفوذ الإيراني وتطويق إسرائيل من قبل القوات المتحالفة مع الحرس الثوري الإسلامي. والحرس الثوري هو الجيش الثاني في إيران، ويجندون في صفوفه أكثر الجنود والضباط تديناً، إضافة إلى القوى الأمنية التي تقمع الإحتجاجات داخل إيران والشركة الإقتصادية الرائدة في إيران، والتي تسيطر على حوالي نصف الإقتصاد. ويشير الجنرال إلى المهمة الخارجية للحرس الثوري،  والتي تقوم بالتعاون مع الأذرع الإيرانية ومدها بالمال والسلاح وتسليحها بالأيديولوجيا. ويصف   التكتيك الإيراني هذا بأنه "تشكيل طوق ناري حول إسرائيل".

العنصر الثاني في الإستراتيجية الإيرانية يراه الجنرال الإسرائيلي في تطوير البرنامج النووي الإيراني وبرنامج الصواريخ الذي يسمح مع الوقت بإنتاج حشوة للجهاز النووي وحامل للسلاح النووي لدى إنتاجه. وبهذه الطريقة ترفع إيران الرهان وتزيد مخاطر تعرضها لهجوم محتمل في سعيها للحصول على مستوى أرفع من الأمن. ومع ذلك فضلت إيران حتى الآن أن تبقى دولة "متواضعة" وهي تقترب من صناعة سلاح نووي من دون أن تنتجه، على أمل مبادلة إنتاجه برفع العقوبات عنها.