في إنتظار جولة جنيف ال24..

ساطع نور الدين
السبت   2017/03/04

كانت واحدة من أغرب جولات التفاوض بين متحاربين جلسوا، أو أكرهوا على الجلوس في قاعة واحدة، او بالتحديد في فندق واحد، بحثاً عن حل سياسي ليس له أي افق، وليس له صلة بالأرض التي يقف عليها الجميع من دون إستثناء.

لا يجوز ان تسمى جولة جنيف الرابعة ب"مفاوضات" . كانت أقرب الى عملية إستكشاف للنوايا أكثر من كونها عملية إستقراء للمواقف، في اعقاب واحدة من أصعب جولات الحرب السورية. كانت بمثابة خطوة الى الوراء بالمقارنة مع الجولات الثلاث الماضية  التي إختصرت جوهر الصراع، برغم ان صاغت جدولاً للاعمال تغلب عليه التمنيات، وربما الاحلام التي لا تعبر عن موازين القوى، لا بين المتحاربين، ولا بين حلفائهم.

الأصح انها كانت جولة أستانة الثانية او الثالثة، التي أدارها الروس والاتراك وغاب عنها الاميركيون والايرانيون، والعرب طبعا..والتي كانت تقتضي  المرور في جنيف لكي لا يبدو ان ثمة تجاوزاً للمظلة الدولية للتفاوض، أو إنقلاباً عليها، ولكي لا توحي موسكو وأنقره أنهما تحتكران اللعبة، بينما هما الان في خضم عملية تقاسم المواقع والادوار في الشمال السوري، حيث ترتسم خطوط التماس المتداخلة بين جميع أطراف النزاع، بدءاً من داعش الذي تتقلص مساحات سيطرته ونفوذه تدريجياً، مروراً بالاكراد الذين يخضعون لامتحان جدارة حضورهم في قاعات التفاوض المقفلة حتى الآن في وجههم، وصولا الى النظام ومعارضيه الذين يختبرون قدرتهم على الصمود والبقاء في تلك البقعة الجغرافية المعقدة، والبعيدة نسبياً عن مركز الصراع على دمشق.

لم تجر مفاوضات في جنيف 4. جرى التسليم بأن الامم المتحدة ما زالت وسيطاً لا غنى عنه. وهو إعتراف ضمني بفشل مسار أستانة، الذي لم يسفر عن وقف فعلي لاطلاق النار، يمكن البناء عليه، ولم ينتج "منصة" بديلة كانت موسكو ولا تزال تتمنى أن تضيفها الى منصاتها المفتعلة الاخرى.  وعلى الرغم من أن أداء وفد المعارضة كان أفضل من أي وقت مضى، فإن وقف النار لم يطرح كبند مستقل يحظى بالاولوية المطلقة مثله مثل بند إقفال مسلخ صيدنايا البشري وغيره من المسالخ المنتشرة على جميع الاراضي السورية ويديرها موالون ومعارضون أيضاً.

كانت جنيف 4 مناورة تفاوضية مقبولة الى حد ما. الروس والنظام دخلوا الى قاعات التفاوض بإحساس دفين بأن ما تحقق  من إختراقات عسكرية في الاشهر القليلة الماضية، لا يمكن ان يصمد ولا يمكن ان يدوم، ولا يشكل أساساً لنصر عسكري مرغوب. وكذا الامر بالنسبة الى المعارضة التي ذهبت الى هناك متسلحة بالغلبة البرية، التي لا يمكن لسلاح الجو والبحر الروسي ان يغير في جوهرها على المدى البعيد ، ولا حتى في تشكيل وفدها وجدول أعماله على المدى الاقرب.

لكن تلك المناورة التفاوضية في جنيف التي أدارها الروس مباشرة وبشكل تفصيلي، مع الامم المتحدة، ومعهم الاتراك من خلف الكواليس، كانت أيضاً بمثابة عملية إستدراج عروض جديدة، فشلت في جذب إهتمام الاميركيين الذين أبدوا لا مبالاة شديدة إزاء تلك الجولة، فلم يتابعوا وقائعها ولم يعلقوا على نتائجها، في مؤشر إضافي على إضطراب دبلوماسية إدارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب وأولوياتها التي لا تقع سوريا من ضمنها. وينسحب هذا المنطق على الايرانيين الذين كانت الحرب السورية ولا تزال مدخلهم الى التفاوض والتفاهم مع واشنطن، فصارت أحد عناوين الاشتباك معها.

جنيف 4 كانت مناورة تفاوضية مسلية لا يمكن إدراجها في أي سياق سياسي جدي،  لا بالنسبة الى المتحاربين السوريين أنفسهم، ولا بالنسبة الى حلفائهم الخارجيين الذين حضر بعضهم وغاب أكثرهم، ولا تسمح بالتكهن بقرب التفاوض الفعلي.. ولا حتى بعدد الجولات التي تحتاجها سوريا وشعبها من أجل أن تختم أحزانها المديدة.

ما بعد جنيف4،  ليس سوى إنتظار جنيف 24 ...