الأسد ضحية روسيا التالية؟

بسام مقداد
الأربعاء   2017/11/29

وجدت موسكو ، أن الوقت الأنسب للإعلان عن الموعد المحتمل لعقد لقاء أستانة الثامن في 21 – 22 كانون الثاني/ديسمبر ، هو بالذات يوم افتتاح محادثات جنيف ـ 8 الثلاثاء. وليس في الأمر صدفة ، بل هو يأتي في سياق النهج الذي تتبعه موسكو منذ أسابيع لوضع اليد على العملية السلمية المحتملة في سوريا . وقد بدأ هذا النهج يتبلور مع التصريحات ، التي توالى على إطلاقها المسؤولون السياسيون والعسكريون الروس في الأسابيع الأخيرة ، عن قرب انتهاء المرحلة العسكرية من الصراع في سوريا وعزم روسيا على تخفيض حجم قواتها العاملة في سوريا، وتهيئة الأرض للإنتقال إلى العملية السلمية .

وليس في الحقيقة من جديد في سلوك موسكو الأخير هذا حيال المقتلة السورية . فقد جاءت روسيا إلى سوريا لتنقل إلى العالم ، والغرب بالدرجة الأولى ، خبرتها في محاربة الإرهاب “بفعالية” ، اكتسبتها من حربها على "الإرهاب" في الشيشان . وحين أنهت مهمتها هذه "بنجاح" في سوريا ، حان الوقت لتعلم العالم أبضاً كيفية "الإنتقال الناجح" إلى العملية السلمية . ولا تقف الوقائع على الأرض ومصالح اللاعبين الآخرين بوجه " الفتوة الروسي" في مناوارته السياسية ، بل على هذا الواقع أن يتشكل وفق إرادة الفتوة، وعلى هؤلاء الآخرين أن يتأقلموا مع إرادته .

ولا تجد منابر الكرملين الإعلامية حرجاً في التبجح "بإنجازات" الكرملين خلال الفترة الأخيرة في سوريا والشرق الأوسط . فهذه الإنجازات ليست سوى "معجزة الشرق الأوسط" ، حسب الإزفستيا ، التي أوردتها على لسان سيدة مصرية من جامعة القاهرة تصفها بأنها بروفسور بوليتولوجيا ، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية وخبيرة في منتدى "فالداي" الحواري . تقول هذه السيدة ، بأن جميع الأحداث الأخيرة في سوريا هي "معجزة حقاً" لم يكن لينتظرها أحد منذ سنتين ، حيث كان الإرهابيون يسيطرون على البلد ، وكان الخطر محدقاً  بالشرق الأوسط  ككل. وجاءت روسيا في أيلول/سبتمر 2015 لتعالج المشكلة ، وحررت سوريا من الإرهاب ، ويعيش الآن ملايين السوريين بسلام ، وأصبح بوسع روسيا تقليص وجودها العسكري في سوريا مع بروز ملامح التسوية السلمية . وهي ترى ، أن سوريا والعالم العربي أكثر أمناً مع روسيا ، ومستقبلهم أكثر استقراراً وازدهاراً بوجودها .

وترى صحيفة الكرملين  " vzgliad" أن "ترويكا عظمى" في المنطقة قد ولدت من القمة الثلاثية في سوتشي بين الرؤساء بوتين وإردوغان وروحاني ، وشكلت حدثاً تاريخياً ، لم تعرف هذه البلدان ما يشبهه خلال 500 عام من تاريخ العلاقات في ما بينها . وحين بدأت روسيا عمليتها العسكرية في سوريا منذ سنتين ، فسر أخصام روسيا الأمر بسعيها للحصول على أوراق رابحة في الصفقة مع أميركا حول أوكرانيا ، وتنبأوا لها بالهزيمة وتدهور علاقاتها بالعالمين العربي والسني . لكن نتيجة العملية، التي تقترب من نهايتها ، جاءت معاكسة تماماً ، ، حيث أعادت روسيا الجزء الأكبر من سوريا إلى سيطرة دمشق ، ووسعت روسيا من نفوذها في المنطقة والعالم ، والقمة خير دليل على ذلك .

لكن لم ترتضِ كل المواقع ، حتى غير البعيدة منها عن الكرملين ، الإنزلاق إلى هذا الإسفاف في القفز فوق الحقائق والواقع السياسي الفعلي في سوريا . فقد كتبت صحيفة "MK" تحت عنوان "معنى لعبة الكرملين الخفية في الشرق الأوسط" تقول ، بأن قمة سوتشي الثلاثية ، هي في جزء منها حلقة في حملة بوتين الإنتخابية. وترى الصحيفة ، أن البيان ، الذي صدر عن القمة ، هو ليس إعلاناً عن "النصر المشترك" فقط ، بل هو "تسييج للملكيات" ، إذ أعلن كل طرف "حدود منطقة مصالحه في سوريا واستعداده لمنع الغرباء من الدخول إليها" . وتنتهي هنا المرحلة الأولى من النزاع السوري ، وتبدأ المرحلة الثانية ، حيث ستتفجر "الصراعات الحتمية" ، سواء مع "الغرباء" ، أو بين أطراف "مثلث سوتشي " أنفسهم .

وتقول صحيفة "nezavisimaya" ، أن من المستبعد أن تتمكن روسيا من تخفيض حجم قواتها في سوريا ، بل لا يزال عليها أن تحارب ولأمد  لاحق. وتقول ، إذا رأت واشنطن أن ليس من مصلحتها أن تقلص موسكو وجودها العسكري في سوريا ، فهي سوف تستخدم من أجل ذلك كافة الوسائل المتوفرة لديها . ولهذا ، تقول الصحيفة ، يتعين على الرئيس الروسي ، وقبل أن يتحدث عن وقف الحرب في سوريا ، أن يتوصل إلى اتفاق مع واشنطن ، وليس مع طهران وأنقرة.

من جانب آخر، يحاول ديمتري ترينين ، رئيس مركز كارنيغي في موسكو ، تقديم تفسير واقعي لما تمكن بوتين من تحقيقه في الشرق الأوسط خلال السنتين الماضيتين ، وذلك في كتابه الجديد "ماذا تخفي روسيا في الشرق الأوسط؟" . يصف ترينين ، حسب ما نقلت "الفايننشال تايمز" عن كتابه ، كيف تمكنت حكومة بوتين أن تلعب بحذاقة لعبة جيوبوليتيكية ، وكيف استخدم بوتين الشرق الأوسط منصة لعودة روسيا إلى المسرح العالمي كدولة عظمى . كثيرون يبتسمون حين يسمعون بلعبة موسكو هذه ، لأنهم يعرفون الوضع المحزن للإقتصاد الروسي ، والوضع الديموغرافي السيئ ، والدسائس داخل الكرملين . لكن مع ذلك ، تمكنت موسكو ، خلال سنتين من حملتها العسكرية في سوريا ، من إزاحة الولايات المتحدة إلى الصف الثاني ، واستعادة مكان لها في مصاف الدول العظمى في العالم . ويقول ترينين ان روسيا تعلمت من هزيمتها في أفعانستان ، أن ليس في هذه المنطقة من أصدقاء دائمين ولا من أعداء دائمين ، وأن التحالفات والأحلاف هي تكتيكية وسرعان ما تتبدل .

وفي حدث نادر ، بالنسبة للمعارضة الليبرالية الروسية ومقاربتها للمقتلة السورية ، كتب أحد أركان هذه المعارضة ، زعيم حزب "حرية الشعب" ميخائيل كاسيانوف ، معلقاً على "جنيف ـــ 8" وقمة سوتشي الثلاثية مقالة تحت عنوان"الأسد هو العقبة ، أي سلام بحاجة إليه بوتين في سوريا" . يقول كاسيانوف ، بأن موسكو على استعداد لتقليد العملية الديموقراطية ، بالسماح للمعارضة بالدخول إلى البرلمان مع الإبقاء على كل أدوات السلطة بأيدي آل الأسد . وهي استخدمت مناطق خفض التوتر لتعزيز مواقع الأسد ، حيث يسيطر الآن على جزء واسع من البلاد ، في حين أن المعارضة الديموقراطية مقسمة وغير منظمة ، كما في السابق ، وأصبح يرتفع أكثر صوت ما يسمى "منصة موسكو" .

ويقول كاسيانوف ، أن بوتين متعجل للعب ورقته السلمية ، ويقنع الجميع ، أن قمة سوتشي ليست سوى إعداد لمفاوضات جنيف . إلا أن من الواضح أن بوتين يطمح إلى تحقيق عملية سلمية بديلة يتقاسمها مع "حلفائه"على مسرح الشرق الأوسط ، ويظهر بمظهر صانع السلام الرئيسي . وهو يرغب في الظهور ، بأنه هو بالذات من أنهى الحرب الأهلية في سوريا وحمل النصر الجاهز إلى جنيف ، التي فشلت في حل النزاع خلال ست سنوات .

إن رسم خريطة للتسوية في سوريا ، ينبغي أن يمر حصرياً عبر منصة جنيف تحت راية الأمم المتحدة ، حسب كاسيانوف. واذا كان الكرملين يرغب بالسلام فعلياً ، عليه أن يوقف دعمه للنظام المستبد ، وأن يكون على استعداد للتخلي كلياً عن الأسد . ومن المستبعد أن يكون لإيران وتركيا ، كطرفين في الصراع، الحق في إملاء إرادتهما على الشعب السوري.

أجل ليس لروسيا ، وكما في حال جميع الدول، من أصدقاء وأعداء دائمين ، وهي لا ترى في سوريا لا بشار الأسد ولا الشعب السوري ككل ، وتعتبر الشرق الأوسط برمته منصة لمحاورة الغرب ، وسوريا هي المكان الوحيد ، الذي ما زالت تتقاطع فيه روسيا مع الولايات المتحدة والغرب ، كما ذكر ديمتري ترينين . ولن تتوانى عن التخلي عن كل من وما يعرقل حوارها هذا مع الغرب . فقد عنونت صحيفة دانماركية ( Politiken في 27-11 – 2017 ) مقالة لها في التعليق على قمة سوتشي الثلاثية " الأسد هو الضحية التالية في صراع روسيا من أجل السلطة" .