الموساد في كل مكان

مهند الحاج علي
الجمعة   2017/01/06

يوم أمس، ألمح رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون إلى احتمال تورط الموساد في جريمة قتل رجل أعمال لبناني في أنغولا حيث يعمل في مجال صنع الفرش والقساطل الصحية. هذا التلميح تحول إلى عناوين إخبارية محلية وعربية وأجنبية، ولم يُفلح في ايقافها اعلان مسؤول البعثة الديبلوماسية اللبنانية في أنغولا محمد النسر أن الجريمة عملية سرقة، وهو ما أكده ابن شقيق الضحية، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة ”النهار“. 

يكاد لا يمر يوم إلا وتضج فيه وسائل الاعلام اللبنانية والعربية باسم جهاز الموساد، أحياناً لأسباب محقة مثل اغتيال العالم التونسي محمد الزواري الشهر الماضي، لكن غالباً لأسباب غير واقعية. أولاً، لا يُعقل أن جهازاً مثل الموساد، يضم 1200 موظف، قادر على ارتكاب هذا الكم الهائل من المؤامرات والاغتيالات في كل البلدان العربية.

في لبنان، الموساد مُتهم سياسياً باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وبجرائم عديدة مُشابهة. وكانت تُهمة التعامل مع الموساد، مُحببة لحاكمي النظام السوري في لبنان غازي كنعان ورستم غزالي حتى رحيل الأخير عام 2005. من خلال هذه التهمة بالذات، أبعدت السلطات السورية نهاية التسعينات، وزير الداخلية الحالي نهاد المشنوق، مستشار رفيق الحريري سابقاً. 

واغتيالات الموساد لا يُقيدها التاريخ. رغم أن الجهاز تأسس عام 1949، إلا أن مواقع لبنانية عديدة نشرت قبل فترة اتهامات للموساد باغتيال العالم اللبناني حسن كامل الصباح ”في حادث سير مُدبر“ عام 1935. كيف يُنفذ الموساد عملية اغتيال قبل تأسيسه وإعلان دولة اسرائيل بـ14 عاماً؟

هذا الاعجاز الاستخباراتي لا يتوقف هنا. تشمل مهمات الموساد، بحسب قائمة الاتهامات العربية، تنظيم تظاهرات ضد غلاء الأسعار.

يوم أمس، نشر موقع ”الجزائر 1“ مقتطفات من تقرير لصحيفة اسرائيلية، جاء فيها أن جهاز الموساد يُخطط لتشكيل خلية الكترونية مهمتها حض الشعب الجزائري ضد حكومته. وبحسب الموقع الموالي للحكومة الجزائرية، فإن الموساد يريد استغلال فرصة ”الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد على غرار باقي دول العالم“ من أجل تنظيم التظاهرات الشعبية ضد الحكومة.

وتشهد الجزائر منذ أيام تظاهرات واحتجاجات ضد قرار حكومة عبد المالك سلال رفع أسعار المنتجات الأساسية. الحكومة بررت قرارها بضرورة التقشف بعد انخفاض سعر النفط، لكن المتظاهرين يهتفون سائلين ”أين ذهبتم بالمليارات؟“، في إشارة الى هدر 800 مليار دولار من عائدات النفط خلال العقد الماضي.

إلا أن ارتفاع أسعار الحاجات الأساسية مثل الغذاء، أو هدر المليارات، ليس سبباً كافياً للخروج بتظاهرات ضد الحكومة، بحسب موقع ”الجزائر 1“. ”وحدة الاستخبارات التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية في جهاز الموساد الصهيوني“ (يعني 3 أجهزة استخبارات داخل جهاز واحد) تقف وراء ذلك. والسبب أن الجزائر ”استعصت على ما يسمى الربيع العربي وبقيت في منأى عن التمزق الذي طال الكثير من الدول العربية، وتشكل تهديداً لإسرائيل“، لكنها ”على أعتاب بداية حرب أهلية ستغيّر واقع هذا البلد الذي يكن شعبه عداء غير مسبوق لإسرائيل لدرجة أنه مستعد للتحالف مع الشيطان ضدنا“. الجزائر كانت على عتبة تحرير فلسطين قبل بدء التظاهرات، لذلك تدخل الموساد لحض الشباب على التظاهر.

والواقع أن هذه الدعاية العربية للموساد، لا تتعدى قدراته اللوجستية فحسب، بل تتجاوز تاريخه العملياتي أيضاً. وهو إذ نجح في عمليات جريئة وسط بيروت وفي تونس ابان السبعينات والثمانينات، فشل كثيراً، وخصوصاً في الفترات الأخيرة.

فهذا ”الموساد“ فضحته شرطة دبي بنشر صور قتلة القيادي في ”كتائب عز الدين القسام“ محمود المبحوح، واعتقلت الأردن عميلين له حاولا اغتيال القيادي في حركة ”حماس“ خالد مشعل. حتى نيوزيلندا اعتقلت عميلين للموساد كانا يُحاولان تزوير جوازي سفر عام 2004.

يبقى أن كل دعاية هي دعاية جيدة، وفقاً لقاموس العلاقات العامة. والموساد اليوم لا يحتاج إلى تسويق نفسه، إذ هناك أنظمة ووسائل اعلام متفرغة بالكامل لهذه المهمة.