ابن هدير

محمد خير
السبت   2017/01/14

في صفحته الرئيسية، يقول أحد مواقع التوعية الجنسية، إن السبيل الوحيد لتجنب الإصابة تماماً بأي مرض جنسي، هو عدم ممارسة الجنس على الإطلاق!

بالطبع، لا يقول الموقع ذلك بغرض التحذير من ممارسة الجنس، بل على العكس، يريد القول، إن احتمال الإصابة (الضئيل جدا في حالة اتخاذ الاحتياطات)، يبقى قائماً، مهما بلغت ضآلته، إنه جزء من الجنس لا يمكن تفاديه أبداً بنسبة 100%، وإلا كان أشبه بتفادي ركوب المواصلات لتجنب الحوادث، أو تفادي ارتياد المصاعد لتجنب سقوطها. الجنس جزء من الحياة العادية، ليس استثناء ولا خطراً في حد ذاته، وإن كان ينطوي، ككل شيء آخر، على نسبة أخطار لا يمكن تفاديها إلا بتفادي الحياة نفسها.

بالطبع، ليس الإنجاب مرضاً جنسياً، وإن كانت له مخاطره أيضاً. بعض تلك المخاطر "شرقيّ"، كجرائم الشرف إذا كان الإنجاب بلا إطار "شرعيّ أو رسمّي". وبعضها "عالمّي"، وهو غضب وتهرّب الأب إذا لم يتم الإنجاب بمعرفته وموافقته. كم من برامج غربية استضافت "آباء" عرفوا بأبنائهم بعد سنوات من قضائهم "ليلة سرير" في فندق ما مع امرأة غريبة، وفوجئوا بملاحقة قضائية تصلهم في عناوينهم حيث يعيشون مع عائلاتهم التي تكونت بعد أو قبل تلك الليلة العابرة. ملاحقة تطالبهم بتولي المسؤولية عن "أبنائهم" الذين لم يستشرهم أحد في إنجابهم.

لا تنتمي الصحافية المصرية، هدير مكاوي، إلى حالات النوع الثاني، بل على العكس، كان الأب، طبقاً لروايتها، متزوجاً منها "عرفياً"، وكان يعرف بحَملها وإن لم يوافق عليه، وطالبها بالتنازل عن حقوقها وحقوق طفلها، في مقابل أن يوافق على "توثيق الزواج" ونسب الإبن إليه. غير أنه عاد ليماطل. واكتشفت أنه، بالاتفاق مع أهلها أنفسهم، يريدون منها أن تجهض نفسها، أن "تقتل ابنها" على حد تعبيرها كي تنتهي "المشكلة" كلها. وكما صار معروفاً، فقد أصرت هدير على الاحتفاظ بجنينها، وأنجبته قبل أيام، معلنةً أنها ستستمر في ملاحقة الأب قضائيا لإثبات نسب ابنه إليه.

كما هو متوقع، أثارت هدير جدلاً كبيراً وسخطاً أكبر، غير أن تناقضاً عجيباً شاب ذلك الجدل، بسبب محظورَين دينيين في مواجهة بعضهما البعض. فالذين لم يعجبهم أن هدير أثارت الأمر بنفسها في وسائل التواصل الاجتماعي، واعترضوا على ذلك من منطلق "إذا بُليتُم فاستتروا"، وجدوا أن كل طريقة كان يمكن لهدير أن "تستتر" بها، ستصطدم بمحظور ديني آخر. فإما أن تجهض نفسها، وهو فعل محرّم دينياً، أو أن تتخلص من ابنها بعد ولادته، أو أن تنسبه إلى آخر، وكلها أمور قد تكون أسوأ من "الفاحشة" الأصلية التي اتهمها بها مَن لم يعترفوا بزواجها العرفي.

غير أنه، حتى بالانتقال من الجدل الديني، إلى الأخلاقي والفلسفي، وبالانتقال من "الشرف" الشرقي إلى معيار الأبوّة العالميّ، يبقى السؤال: هل يجوز "فرض" ابن على أبيه؟ وإذا كان القرار يعود إلى المرأة في مسألة الإبقاء على الحَمل أو التخلص منه، ألا يكون للرجل الحق في الموافقة على الانتقال من درجة "رجل" إلى درجة "أب"؟

قوانين الطفولة حسمت هذا الأمر، منطلقة من وجود الطفل نفسه. فبعد أن يخرج الطفل إلى النور، يكتسب من أبويه حقوقاً لا تلغيها خلافات الطرفين، لأنه - باختصار- لا أب آخر للطفل سوى هذا الأب، شاء أم أبى. وإن كانت الأم لم تستأذن الأب في الاحتفاظ بالطفل، فإن الأب كان صاحب قرار في العملية الجنسية نفسها، وهي عملية، كما يقول موقع التوعية الجنسية، لا يمكن تجنب "مخاطرها" بنسبة 100%. ثمة طفل كامن في كل عملية جنسية مهما كانت الاحتياطات.

ستواصل هدير معركتها القضائية، وستربحها غالباً، قياساً إلى حالات شبيهة سابقة. لكنها، على الأرجح، ستتحمل عبء تربية وليدها وحدها، على الأقل لسنوات مقبلة. وثمة سخرية أخرى كامنة هنا، وهي أن المعركة التي تسعى هدير إلى الفوز بها، ليس فيها من "مكسب" سوى أن يحمل ابنها اسم الأب الذي لا يريد الطفل، وليس اسم الأم التي حاربت لأجله.