هدنة سوريا عبثية كحربها

حسين عبد الحسين
الخميس   2016/05/12
الاخبار من سوريا سوريالية. نقرأ خبرا في مطلعه ان وزيري خارجية اميركا وروسيا جون كيري وسيرغي لافروف اتفقا على هدنة تشمل كل الاراضي السورية، وفي تتمته عبارة “في سياق متصل”، ويكمل الخبر بالقول ان ضربات قوات الرئيس السوري بشار الأسد استمرت ضد هذه المنطقة السورية او تلك.
لم يعد واضحا في سوريا الفارق بين “وقف الاعمال العدائية” واستمرارها، فبتشجيع ودعم ومشاركة من ايران، استبدل الأسد ثورة شعبية ضد حكمه بحرب اهلية لا حسم فيها، فقط قتلى ودمار ونيران وانهيار اقتصادي ولاجئون وضياع جيل سوري كامل يكبر في المخيمات من دون افق ولا امل.
بشاعة عبثية حرب الأسد انه لم يعد لها حتى اهداف عسكرية تكتيكية. في مطلع المواجهات السورية المسلحة، كانت قوات الأسد تفتتح هجومها بقصف مدفعي عنيف، يليه تقدم لمقاتليها على محاورة متعددة، فاشتباك مع المعارضين، ففرض السيطرة على مناطق كانت تحت سيطرة المعارضة، وعزل مناطق معارضة اخرى مجاورة، وربما فرض حصار عليها بهدف انتزاع السيطرة عليها لاحقا.
في سنتي الحرب السورية الاولى، كتب الخبراء الغربيون باعجاب عن اداء قوات الأسد ورشاقتها، خصوصا لناحية تنقلها وعتادها الثقيل والمتوسط على مساحة سوريا الشاسعة. لكن الارهاق اصاب قوات الأسد، التي تضاءلت اعداد مقاتليها وراحت عملية تجنيد بدلاء تصبح اكثر تعقيدا بسبب انخفاض في عدد الشباب الموالين للنظام. هنا، إعتقد الأسد انه يمكنه اقتلاع المعارضين من ضواحي دمشق باللجوء لسلاحه النوعي، فقصف الغوطة بالكيماوي صيف العام 2013. وبعد ردة الفعل الدولية، سلم معظم ترسانته الكيماوية ولجأ الى القاء البراميل المتفجرة على رؤوس المدنيين كعقاب جماعي ضد اي منطقة يتواجد فيها مقاتلو المعارضة.
اليوم مرت اكثر من خمس سنوات على اندلاع الثورة السورية، ولم ينجح الأسد في ايقافها على الرغم من استخدامه كل اساليب القتال المتاحة: اجتياحات، حصارات، قصف كيماوي، براميل متفجرة على المدنيين، مشاركة المقاتلات والمروحيات الروسية الى جانب مرتزقة وخبراء عسكريين، وحرس ثوري ايراني وميليشيات شيعية عراقية ولبنانية. 
وعلى الرغم من الجحيم الذي صبه الأسد وروسيا وايران على رؤوس السوريين المطالبين بانهاء الديكتاتورية، لم ينجح الأسد حتى الآن في استعادة ضاحية صغيرة مثل داريا، وهو ما يثير السؤال التالي: ماذا في داريا، وغيرها من القرى والمدن السورية وضواحيها، حتى تبقى عصية على الأسد بعد خمس سنوات من الجحيم؟
ربما يعتقد الأسد انه ان استمر في القتال، يتعب خصومه، وينجح هو في استعادة سيطرته على الاراضي السورية رويدا رويدا، ثم ينتظر مرور الوقت، فينسى المجتمع الدولي دمويته، ويفتح له باب العودة الى حضنه.
لكن قتل نصف مليون سوري وسورية، بجرائم صارت موثقة في ملفات مصورة لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، يختلف عن قتل حفنة من المعارضين اللبنانيين، ثم انتظار مجيء حكام جدد في واشنطن وباريس ينهون عزلة الأسد الدولية. هذه المرة، دموية الأسد ثابتة وعصية على النسيان، ما يجعل استمراره في الحرب فعلا عبثيا لا افق له.
اضاعة الوقت اسلوب تلجأ اليه معظم الاطراف الدولية المعنية بالأزمة السورية: ادارة أوباما تسعى لاضاعة الوقت حتى خروجها من الحكم بعد ستة اشهر، وموسكو وطهران في انتظار حكام أميركا الجدد وفي انتظار فرصة سانحة لاقتناصها في سوريا. لكن الاميركيين والروس والايرانيين ينتظرون بشكل شبه مجاني، فيما الأسد ينتظر على حساب السوريين ودمائهم.
ستعود الاطراف الى الحوار للتوصل الى حل في سوريا برعاية الأمم المتحدة، وسينفرط عقد الحوار مرات متعددة لاسباب متنوعة ويعود الى الالتئام. وسيتفق الاميركيون والروس على هدنات كثيرة مستقبلا، ستنهار معظمها قبل العودة الى تثبيتها، وستستمر الحرب السورية الى ان يحدث تغيير ما في الموازين العالمية.
والى ان يحين موعد التغيير الدولي، سيستمر الكابوس السوري، الذي لم تعد له بداية ولا نهاية، بل صار حلقة مفرغة من القتال والهدنات والديبلوماسية المتقطعة، والعالم يشاهد وينتظر ويتحين الفرص، فيما يسبح السوريون بدمائهم ويختنقون برائحة البارود وغبار الأبنية التي تنهار يوميا فوق رؤوسهم.