كوتا النساء وحصّة الطوائف

دلال البزري
الخميس   2016/12/08

حصّة النساء في سوق المحاصصة الطائفية المفتوحة كانت غائبة تماماً. فتولّت أمرها، وناضلت من أجلها جمعية "نساء في البرلمان"؛ بمؤتمر صحافي، أولاً، عرضت فيه "حيثيات" قوية لإشراك النساء في الوزارة والبرلمان، وأوردت زياراتها إلى مختلف "الأحزاب"، أي زعماء الطوائف، المعنيين بالتشكيل الحكومي، حيث وافقوا جميعاً على الفكرة ورحبوا بها؛ فقط "حزب الله" و"المردة" و"الطاشناق" لم يردّوا على طلب الزيارة. أما النشاط الثاني للجمعية، فكان شعاره "صوتنا-واصل-عالسما- ثلاثين بالمية وزيرات"، واقتضى هذا النشاط رفع الشعار على علم يحمله شاب فوق البحر، وبالونات تطلقها السيدات المشتركات فيه من شاطىء جونيه. وقبله وبعده ظهور لسيدات من الجمعية على برامج التوك شو، يشرحن بحماسة فائقة الأسباب التي تدفعهن إلى المطالبة بوزيرات في الحكومة قيد التشكّل، من إتفاقيات بكين، إلى تجارب "الكوتا" النسائية المختلفة في العالم الخ.

والأرجح ان المطالبة بثلاثين بالمئة من النساء في الحكومة العتيدة، أي سبع وزيرات على الأقل، لم يناقش على مستوى المئة وعشرين جمعية المنضمة إلى "نساء في البرلمان"؛ لم يناقش معمّقا، لا على مستوى "قياداتها"، ولا "قاعدتها". هذا إذا كان هناك فعلاً "قاعدة" لكل هذه التشكيلة الغامضة...

فالاسئلة البديهية التي تطرح نفسها على مطلب كهذا لا تنْفكّ تتوالد: ما هو برنامج الجمعية في مشروع إدخالها سبع وزيرات في الحكومة قيد التشكّل؟ من هن أصحاب "الكفاءات" النسائية اللواتي ترشّحهن؟ أم ان الموضوع يتخطى الكفاءات؟ وهل ستحدّد الجمعية حقائبها المفضّلة، أسوة بالرجال؟ هل ستناقش تفاصيل هذه الحصّة علناً، كما يفعل الرجال؟ أم تخوض "مفاوضات" خلف الكواليس؟ وهل "الخَلَل" الذي تطالب رئيسة الجمعية باصلاحه، بإدخال سبع وزيرات في الحكومة، يقتصر فعلاً على غياب النساء من التشكيل؟ وهل تحلم الجمعية بالإقتداء بالزعماء الذين زارتهم، فتحدّد نوعيتها (سيادية، خدمية)، وتفاوض في سوق الأسهم والمضاربات؟ هل تشارك النساء في هذا السوق بناء على منطق الغلبة نفسه، وموازين القوى وجدائل العلاقات الإقليمية نفسها؟ إذا كانت لعبة التشكيل الوزراي قائمة على إقتناص فرص، على شهية فساد مفتوحة الأفق، كيف تجد النساء لنفسهن مكاناً فيه؟ هل تملكن الشهية نفسها؟ أم أقل؟ وهل تقاس بمنطق الطوائف نفسه؟ خصوصاً وان وجها مفضلاً من "نضالها" كان زياراتها إلى زعماء هذه الطوائف، أصحاب الحصص القوية في النظام؟ هل هي مستعدة بالتالي، ان توصم تاريخ النساء اللبنانيات بعار المحاصصة والفساد؟ كأن تكون الوزارة بالنسبة لممثلاتها معْبراً للإنفلاش في دوائر الدولة والمواقع الوظيفية لتشكّل نسخة رديفة لأوليغارشيات الرجال؟

حسناً، قبلنَ بالنظام الطائفي المحاصصي الفاسد..الآن، من هن النساء اللواتي تتخيّلهن الجمعية جديرات بتولي وزارة في هذه الحكومة؟ إلى أي "فئة"، أي طائفة، ينتمَين؟ إذا كن من الفئة الواحدة، المقتدرة، فهل تكون أيضاً كل الوزيرات من طائفة واحدة؟ أم من طوائف مختلفة؟ وما الذي سوف "تراعيه" في هذه الحالة؟ ثقل كل طائفة؟ عسكرها؟ مالها؟ "نوابها"؟ هذا كله على افتراض ان "الرجال" سوف يقرّون بهذه المطالب، هم الذين تضيق عينهم أمام أية منافسة لحصتهم، هم المستقْتِلون على أية غنيمة، أية وزارة، والوزارات في بلادنا أرزاق، وإن تفاوتت..فأي وزارات "تختار" النساء الطموحات؟ أو، أي وزارات "ترضى" بها؟ وهل ترفض المداورة في الحقائب؟ أو تريد تكريسها؟ الخ.

بخلاف الحملات النسائية-النسوية ضد قانون الإغتصاب، قانون 522، الذي يعفي المغتصب في حال زواجه من ضحيته (أُلغي بالأمس)؛ أو حملات اللبنانيات المتزوجات من غير لبنانيين من أجل إعطاء الجنسية اللبنانية لأولادهن؛ أو حملات مناهضة العنف المنزلي، الذي لا يجرّمه القانون المدني ولا الديني... وغير ذلك من الوقائع المشهودة على المسرح الشعبي اللبناني، مثل واقعة فاطمة حمزة وشجاعتها في مواجهة السلطة الدينية التي تنص على انتزاع إبنها منها بعد الثانية من عمره، لـ"يحضنه" أبوه المتزوج...

بخلاف كل هذه التظاهرات الثقافية ومثيلاتها، فان حملة "تلاتين بالمئة وزيرات"، تبدو كأنها تخاطب الهواء فعلاً بشعارها "صوتنا واصل للسما"، وبسعيها لتنصيب سبع سيدات في بوتقة رواد نظام أناني يحتضر، لم يَعُد مهتماً حتى بصورته، التي بلغت الحضيض. تخاطب الهواء عندما تختزل تعريفها لمسألة مشاركة النساء في السياسة بمجرَّد إنتزاع حقائب وزارية من بالوعات البلادة الوطنية.