لم يكن مسجداً

محمد خير
السبت   2016/12/17
قبل أن تخمد شعلة النار الأولى في تفجير الكنيسة البطرسية بالقاهرة، كان تحوّل عجيب قد جرى على صياغة خبر سبق التفجير بيومين، هو خبر تفجير "كمين أمني/حاجز" في منطقة الهرم، ولكن في لحظة، بعد تفجير الكنيسة، تحول الخبر الأول إلى "تفجير مسجد" بمنطقة الهرم.

لم يكن التحوّل جزافاً ولا عشوائياً، فقد تبعته فوراً نداءات ومقالات و"هاشتاغات"، كلها تجمع على صيغة واحدة مفادها "لقد فجّروا مسجداً، وفجّروا كنيسة"، "قتلوا أحمد يوم الجمعة وقتلوا بطرس يوم الأحد"، ولذا فإن "الإرهاب لا دين له، يقتل المسلم والمسيحي على حد سواء".

في الواقع، كان ثمة مسجد بالفعل (اسمه مسجد السلام) بالقرب من موقع التفجير بالهرم، لكن المستهدف كان الحاجز الأمني المقابل للمسجد، وقع التفجير في غير موعد صلاة، ولم يستهدف مبنى المسجد نفسه ولا بواباته، بل قتل 6 من رجال الشرطة، بينهم ضابطان، وأصاب ثلاثة جنود آخرين. لم تذكر وسيلة إعلام يومها -ولو على سبيل الخطأ- إن التفجير كان يستهدف المسجد، بل تركزت الأخبار على "تضحيات رجال الشرطة" ومأساة عائلاتهم. لكن بعد أقل من يومين، عند التفجير المروع للكنيسة البطرسية، وقبل حتى أن يُنجز حصر الضحايا، تحول "خبر الهرم" إلى "استهداف مسجد" بدلاً من "تفجير كمين".

لا سبب معقولاً - أو غير معقول- يدعو الإرهابيين في مصر إلى استهداف المساجد، إيديولوجيا الإرهاب الإسلامي ذاتها تنبع من فهم متطرف لضرورة المسجد، ولم تنشأ ظاهرة تفجير المساجد في العموم إلا في إطار الحروب المذهبية. بالأساس في العراق فضلاً عن أجزاء في سوريا والسعودية، كجزء من سياق أعمّ للمواجهة السنّية الشيعية، ولا يندرج النسيج الاجتماعي المصري في ذلك السياق، بل تتركز المسألة الطائفية المصرية في سياق "مسلم/ قبطي". لذا فالعنف المتطرف عادة يستهدف الكنائس، سواء بهجمات بدائية لمجموعات من العوام، أو بصورة أكثر "تطوراً" مثل انتحاري البطرسية أو تفجير كنيسة القدّيسين. لذا، فإن تحويل خبر تفجير الحاجز إلى تفجير مسجد، لا يندرج إلا في سياق "نظرية المخبول".

في ديسمبر 2010، قبل أيام من تفجير كنيسة القديسين، صعد "أمين شرطة" إلى متن قطار في الصعيد، وأطق النار على عائلة قبطية فقتل وأصاب 6 من أفرادها. وُصف الشرطي في الأنباء بأنه مختل نفسياً أو عقلياً. لكن المحكمة بعد سنتين لم تأخذ بذلك حين حكمت عليه بالإعدام. قبلها بسنوات، في أبريل 2006 بالإسكندرية، هاجم "مختل" آخر كنيستين بسكين، فقتل شخصاً وأصاب خمسة. بعدها بشهرين، منع حراس كنيسة "مختلاً عقلياً" من الهجوم عليها في محافظة قنا بالصعيد. وتلك الحالات "المختلة" التي "لا تهاجم سوى الأقباط"، على حد وصف غاضبين لم يصدقوا الروايات الرسمية، رآها آخرون حلاً مهدئاً، على غرار أن تُنسَب المآسي الكبرى إلى مؤامرة أو عدو خارجي، ظناً ممن يفعل ذلك أنه "يمنع الفتن". وتحويل تفجير الحاجز الأمني إلى "تفجير مسجد"، هو -في الأغلب- ينتمي إلى السياق نفسه.

هو سياق يحاول تصوير الإرهابي كـ"مختل" آخر، بلا أساس إيديولوجي وبلا أفكار تضرب جذروها في التراث المجتمعي والديني. مجرد مخبول يسعى في الشوارع شريداً، يهاجم هذا أو ذاك بلا تمييز، مسجداً كان أو كنيسة، مسلماً كان أو مسيحياً. نظرة تبسيطية تعقّد ما تظن أنها تبسّطه، وتسمح لذلك "المخبول" أن يواصل ضرباته بلا مواجهة حقيقية.