كذب أميركي عن داعش

حسين عبد الحسين
الخميس   2015/09/03


إذا رصد أحد عدد قتلى تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" (داعش) حسبما تبثها وسائل الاعلام العراقية، لخرج بانطباع مفاده ان جيش داعش مليوني، وان بغداد والتحالف الدولي نجحا في القضاء على مئات الالاف منه، وان الحرب مستمرة للقضاء على مئات الالاف الباقية.
طبعا جيش داعش لا يتجاوز الخمسين الفا حسب التقديرات الجدية، وما التقارير الاخبارية العراقية المزيفة الا من باب الدعاية الحربية التي تصرّ على الحديث عن انتصارات مزعومة للقوات الحكومية وحلفائها في ميليشيا الحشد الشيعي، فيما الحرب على داعش متعثرة في الواقع، ولا يبدو ان بغداد ستنجح في استعادة الاراضي التي خسرتها في أي وقت قريب.

وأن تلجأ بعض وسائل الاعلام العراقية، وخصوصا الحكومية منها او التابعة لاحزاب مؤيدة للحكومة، الى الكذب، هو أمر اعتاده سكان منطقة الشرق الاوسط حيث معظم وسائل الاعلام حربية، في ايام الحرب كما في السلم، وتهدف الى التعبئة الشعبية اكثر منها الى نقل الصورة على حقيقتها.لكن ان تلجأ "وكالة الاستخبارات الدفاعية"، التابعة للجيش الاميركي، الى الكذب على الرئيس باراك أوباما، وتصوير الحرب الاميركية المتعثرة على داعش بمثابة انتصارات متوالية، هو أمر يؤكد ان الحرب الدولية المزعومة على التنظيم هي من باب إضاعة الوقت فحسب.
وكانت وزارة الدفاع (البنتاغون) كلفت المفتش العام باجراء تحقيقات حول تقارير غير صحيحة قدمتها الاستخبارات العسكرية الى الرئيس الاميركي تفيد ان الحرب تجري في مصلحة أميركا والتحالف الذي تقوده. وفي الانباء الاولية التي تسربت ان المفتش العام رأى ان التقارير العسكرية المرفوعة الى الرئاسة تجافي الواقع، وان هذه التقارير لم تأت عن طريق الخطأ، بل ان معديها وضعوها وقدموها الى أوباما بقصد الايحاء ان التحالف يحقق تقدماً في الحرب ضد داعش.
من يقف خلف هذه التقارير الاميركية المزيفة؟ وهل نجحت هذه التقارير بابقاء الرئيس الاميركي في الظلام حول وقائع الحرب على داعش في العراق وسوريا، وتاليا دفعته الى الاكتفاء بالمجهود الاميركي الحالي؟
تصعب الاجابة من دون القيام ببعض التكهنات، ولكن بالحكم على أسلوب أوباما وادارته على مدى السنوات الست الماضية، يتبين ان أوباما يؤمن بأهمية "تكوين الانطباعات" كحجر زاوية في السياسة، فهو مثلا وجه تحذيرات -- على شكل تصريحات -- الى الرئيس السوري بشار الأسد من مغبة استخدامه اسلحة كيماوية، وعندما اعتقدت أميركا والعالم ان الأسد لم يعر التحذيرات اهتماما يذكر وقام فعليا بقصف ضواحي دمشق بالكيماوي، حاول أوباما حفظ ماء وجهه بارساله قوة بحرية الى الشواطئ السورية، قبل ان يتضح ان خطوته كانت من باب المناورة.
وكما في "الخطوط الحمراء" على الأسد والضربة التي لم تأت، كذلك في حربه على داعش، يبدو ان أوباما يهتم أكثر بخلق انطباع لدى الاميركيين والعالم انه يعمل على إلحاق الهزيمة بالتنظيم المذكور، لكن على ارض الواقع، يصر الرئيس الاميركي على تحديد عدد الضربات الجوية حتى لا ترتفع تكلفتها المالية، كما يصر على ابقاء عسكريين اميركيين في الصفوف الخلفية في العراق خوفا على أمنهم، مع أنهم جنود ودورهم هو القتال لا الاختباء في ثكنات الجيش العراقي.
ولأن أوباما يهتم بالصورة اكثر من الواقع، من غير المستبعد ان يكون هو من أوعز الى اصدقاء له -- صدف انهم في "الاستخبارات العسكرية" -- الى تقديم تقارير تناسب الرواية التي يحاول هو تقديمها للاميركيين، والقائمة على التأكيد ان داعش يتقلص ويتراجع، وان حرب أوباما "الخفيفة" وحكمته تأتيان بنتائج طيبة.
الكذب في الحرب على داعش ليس أمرا مستغربا في بغداد، ولكن ان تصل عملية الكذب العسكري الى واشنطن هو أمر قد يدفع البعض الى الشعور بالاطمئنان الى انه -- على عكس السياسيين العراقيين -- لا يتمتع السياسيون الاميركيون ولا الرئيس بوسيلة اعلامية تابعة له، والا لكانت الاحاديث الاميركية عن الانتصارات الوهمية والبطولات الاميركية في وجه داعش تضاهي نظيرتها العراقية.