السيسي وصديقي الكاتالوني

حسين عبد الحسين
الجمعة   2015/07/10
ريكار غونزالز هو صديقي الكاتالوني الذي يرفض ان يطلق على نفسه صفة الاسباني. تعود صداقتنا الى العام ٢٠٠٥ عندما كان ينهي دراسته العليا في جامعة "جونز هوبكنز" المرموقة. هو مستعرب، يتحدث العربية بطلاقة وعلى دراية بتاريخ العرب واحوالهم وشؤونهم واجتماعهم. في واشنطن، عمل مراسلا لصحيفة "الباييس".
ومع اندلاع الربيع العربي في العام ٢٠١١، خابرني مودعا. قال لي انه سينتقل الى القاهرة لانه "يعشق الحرية والشعوب التي تتحرر"، وسيستمر في عمله مراسلا للصحيفة في مصر. حزنت لفراقنا وتمنيت له التوفيق.
في العام ٢٠١٤، اصدر ريكار كتابا حمل عنوان "صعود وأفول الاخوان المسلمين"، واتصف كتابه بسلبية تجاه هذه المجموعة السياسية المصرية.
نهاية نيسان-ابريل الماضي، زار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مدريد، وبطبيعة الحال، تحول ريكار الى مرجعية الكاتالان والاسبان واعلامهم حول هذه الزيارة، فأطل عبر قنوات التلفزة والاذاعة، وكتب عن مصر واحداثها وزيارة السيسي وتأثيراتها. لم يجمّل ريكار الواقع، ولم يطلق على السيسي صفات العظمة كالتي يرغب حاكم مصر إسباغها على نفسه، او التي يحمل شخصيات مصرية معه في أسفاره ليسبغوها عليه اثناء زياراته الخارجية.
ريكار شديد السلبية تجاه الاخوان، لكنه يصر على وصف حكم السيسي بالديكتاتورية التي تضطهد الرأي المخالف، وتسجن الصحافيين المصريين والعرب والاجانب، وتتهم كل من يخالفها بأنه من الاسلاميين والارهابيين، او ممن يتقاضون اموالا منهم ليساندوهم.
ويبدو ان ريكار أزعج نظام السيسي وعكّر له صفو زيارته الى اسبانيا. ولأن الانظمة الديكتاتورية تعتقد ان كل حكومات العالم قمعية ومتسلطة على شاكلتها، راحت السفارة المصرية تتردد على مقرّ صحيفة "الباييس"، وتحرّضها ضد ريكار، وتدعوها الى طرده، وتتهمه بأنه يتقاضى أموالا من الاخوان ليكتب مقالات تشوه صورة مصر.
لكن محرري الباييس ليسوا "اولاد أمس" في المهنة، وهم كانوا يعرفون ان السفارة المصرية في مدريد مهمتها تشويه صورة صحافي لا تروق كتاباته للنظام الحاكم. وبعدما فشلت محاولات القضاء على ريكار بتحريض ارباب عمله عليه، بدأ نظام السيسي تحركاً مباشراً ضده في القاهرة.
لم يتسن لريكار ان يروي لي تفاصيل ما تعرض له من تحرشات او مضايقات في القاهرة، ولكن جلّ ما قاله ان "ابناء حلال" سرّبوا له انه في خطر، وان من الافضل له المغادرة. هكذا، تحت جنح الظلام، فرّ ريكار الصحافي الكاتالاني من مصر السيسي. ويصر ريكار على وصف عملية مغادرته البلاد بـ "الفرار"، فيما يتهمه نظام مصر بالكذب، وهو إتهام حمل صحيفة "الباييس" على دحضه وتفنيده في افتتاحيتها الأحد الماضي.
انا لست خبيرا بالشؤون المصرية، ولكني ككثيرين من الزملاء، نعتقد ان السيسي قضى على عملية ديموقراطية، وان كانت ماتزال عرجاء وفي باكورتها، وانه اعاد ترميم الدولة البوليسية، وانه يحكم ببطش غير مبرر ويحاول اخفاء قمعيته بتوجيه التهم للاخوان والحديث عن مكافحة الارهاب. وبالرد على ما نعتقده حول مصر السيسي، يقول لنا مصريون ممن يؤيدون السيسي، ويتهموننا بأننا نجهل واقع الامور وخلفيتها، وان السيسي ضرورة، وان بديل السيسي هو حكم إسلامي متطرف، وان كل المعارضين ممن يتم اعتقالهم ومحاكمتهم هم من الاسلاميين المتطرفين.
لكن فرار ريكار من القاهرة لا يبدو سببه ضرورة محاربة الارهاب او التطرف، فريكار ليس مسلما ولا اسلاميا ولا مؤيدا للاخوان، ولا هو يتقاضى اي اموال منهم. وفراره من مصر في الغالب سببه الهوس الذي يبدو انه أصاب النظام المصري وحكامه، فالسيسي لا يسعى الى فرض عظمته المزعومة على المصريين والعرب فحسب، بل يريد تلقين الاسبان والالمان دروسا، وان يجبرهم على تمجيده وتبجيله، وهو أمر لم يسبقه اليه الا حكام من طراز الليبي معمر القذافي. لكن في حالة القذافي، كان معلوما ان الاخ العقيد كان ينفق على تصوير نفسه عظيما في الغرب. اما السيد السيسي، فواضح انه لم تبق اموال في خزينة مصر الخاوية لينفقها على دعايته، فلم يتبق له اذ ذاك غير التهويل والتهديد.
قريبا سيزور السيسي لندن بدعوة من الحكومة البريطانية، على أمل ان لا يضطر زملاؤنا واصدقاؤنا الانكليز الى الفرار من القاهرة على غرار ما فعل ريكار ومن سبقه.