ميا خليفة في "أوكسفورد".. "الشرف" بين الجسد والإنجاز

وليد بركسية
الإثنين   2023/05/08
في المسلسل السوري "سيرة الحب"، قدمت الممثلة جومانة مراد باقتدار شخصية "شهاليل الرقاصة"، وهي راقصة عظيمة نالت شهرة واسعة لدرجة أنها لا ترقص إلا في حفلات المغني جورج وسوف وفي أرقى أماكن السهر، قبل أن تقرر "التوبة" وارتداء الحجاب من دون أن يسامحها المجتمع على "الخطيئة" التي ارتكبتها بإظهار جسدها، بما في ذلك تبرؤ عائلتها منها إلى الأبد. وفيما كانت القصة متخيلة إلا أنها تظهر عدم الرحمة والتسامح في المجتمعات العربية المنغلقة، والتي تضع الأخلاق المجتمعية أولاً في مقياس الأهمية بدلاً من الأخلاق الفردية.

هذه المقاربة بالتحديد تلخيص لحالة التفاعلات العربية الغاضبة من استضافة جامعة "أوكسفورد" البريطانية العريقة، لنجمة الأفلام الإباحية السابقة، اللبنانية الأميركية ميا خليفة، مقابل "نسختها" الغربية الهادئة. ولا يظهر ذلك الاختلاف فارقاً في التعامل مع المرأة عموماً بوصفها أداة جنسية في الشرق، مقابل كونها إنساناً يحظى بحقوق المواطنة الكاملة في الغرب، فقطز بل يظهر أيضاً فارقاً في أفكار أخرى مثل المسامحة والنشاط في المجال العام وحتى صناعة الأفلام الإباحية نفسها بين كونها صناعة ومهنة كأي مهنة أخرى، أم فناً خليعاً يجب محاربته والقضاء عليه من جذوره.


والتعليقات العربية على ظهور خليفة (30 عاماً) في "أوكسفورد" مع متحدثين آخرين، بمناسبة مرور 200 عام على أول مناظرة عقدها الاتحاد الأكاديمي المرموق الذي تأسس لتعزيز حرية التعبير والنقاش، في العموم، كانت سلبية، نظراً لعمل خليفة السابق في الأفلام الإباحية. علماً أن الجامعة استضافت عشرات الشخصيات المؤثرة من أنحاء العالم بينهم قادة سياسيون ومفكرون ومؤثرون في السياسة والدين والعلوم والفنون. ومن أبرز المتحدثين السابقين في "اتحاد أوكسفورد"، رؤساء أميركيون مثل رونالد ريغان وجيمي كارتر وريتشارد نيكسون وبيل كلينتون، والزعيم الديني الدالاي لاما، والأم تريزا، وعالم الفيزياء ألبرت أينشتاين، وعالم الفيزياء ستيفن هوكينغ والفنان الراحل مايكل جاكسون، والممثل مورغان فريمان، والناشطة الحقوقية الحائزة على جائزة نوبل مالالا يوسفزاي.



وفيما لم تتم استضافة خليفة كباحثة، بل كمتحدثة عامة، فإن النظرة السلبية لها لم تتوقف، وذلك ليس مفاجئاً لأن خليفة منذ سنوات بعد اعتزالها العمل في مجال الأفلام الإباحية بقيت ناشطة في المجال العام. وعند تعليقها الإيجابية على قضايا الشرق الأوسط، مثل القضية الفلسطينية أو مساندتها للثورات العربية، كالاحتجاجات في لبنان العام 2019، كانت تقابل بالسلبية نفسها أو عبر اعتمادها مقياساً "للشرف" على الطريقة العربية.

على سبيل المثال شاعت مقولات لسنوات في مواقع التواصل تقول أن "ميا خليفة لديها شرف أكثر من سياسيي لبنان"، كإهانة لأولئك السياسيين استناداً على فكرة أن خليفة نفسها فاقدة للشرف ما يعني أن مستوى المقارنة ضئيل لدرجة أن السياسيين فاشلون حتى في تجاوز حيز المقارنة الذي تحدده خليفة.

لا يختلف ذلك اليوم، فكثير من التعليقات العربية ركز على أن خليفة فاقدة للشرف ولم تقم بشيء في حياتها سوى ممارسة الجنس أمام الكاميرا وتلك خطيئة تتفاقم، كونها امرأة. ويمتد ذلك نحو وصف الثقافة الغربية بأنها ثقافة خليعة وتوجيه الانتقاد لـ"أوكسفورد" التي ساوت بين خليفة وبين علماء وباحثين كبار، رغم أن ذلك ليس دقيقاً تماماً. والأكثر من ذلك، أن بعض المعلقين عبّروا عن غضبهم تجاه الجامعات الغربية التي رفضت طلباتهم السابقة للالتحاق، قبل أن يترفعوا عن ذلك الرفض بالقول أن الجامعات الغربية في مستوى "وضيع" أصلاً... بدليل استضافة "أوكسفورد" لخليفة.



بعكس ذلك، ركزت التعليقات الإنجليزية على فكرة التطور الهائل في حياة خليفة والنمو الشخصي الذي حققته بشكل مثير للإعجاب، من ممثلة أفلام إباحية محترفة إلى متحدثة في أرقى جامعات العالم، ومؤثرة في مواقع التواصل وشخصية نسوية لدرجة قادت بها حملة "لقاح كوفيد" في البرازيل. ولا يعتبر ذلك إهانة للعمل في مجال الأفلام الإباحية، بقدر ما هو إعجاب بقدرة خليفة الشخصية على اكتشاف جوانب جديدة في شخصيتها واستثمار شهرتها بشكل إيجابي في قضايا عامة.

والفكرة الأساسية هنا تتجاوز مفاهيم العار المرتبطة بجسد المرأة، وتطور المجتمع، نحو أفكار علمانية بالدرجة الأولى، في القوانين كما في الثقافة الشعبية، بما يجعل الأفراد متسامحين إزاء سلوك أفراد بدرجة لا تظهر في المجتمعات المحافظة، في السياسة وفي العلاقات الشخصية. يبرز ذلك في قضايا حقوق المثليين، على سبيل المثال. وفي حالة خليفة، اليوم، كان هناك احتفاء في "تويتر" بأن المجتمعات الغربية تتجاوز ماضي الأفراد في تحصيل الأموال، طالما أن لا جريمة تحصل، في نوع من الشعور بالآخر، لأن الاتحاد في طبقة اقتصادية واجتماعية واحدة، يشكل رابطة بين أولئك الأفراد الساعين إلى حياة أفضل، خصوصاً إن كان أولئك الأفراد بعد حصولهم على الثروة، إيجابيين في طروحاتهم العامة. 

وخليفة هنا لم تسلك طريقة كيم كارديشيان أو باريس هيلتون، اللتين نالتا شهرة واسعة بسبب مقاطع جنسية قبل أن تصبحا من مشاهير هوليوود، رغم أن ذلك ليس مشكلة في حد ذاته.
 

تركيز النظرة العربية على ماضي جسد خليفة، يُظهر كيف يتم تدوير مفاهيم الشرف والعفة في المجتمعات المحلية، ولا يتعلق ذلك بحالة خليفة الاستثنائية، بل يطاول أيضاً العاملين في الفن، كالممثلين ومغني البوب الذين تطاردهم تعليقات تصفهم بأنهم منحلون أخلاقيأً وفاسدون، والنساء في محيطهم العائلي من ضحايا العنف الجنسي، يلاقين اللوم والتقريع بدلاً من التعاطف، وصولاً إلى ضحايا ذلك العنف في المعتقلات والسجون العربية، وهو ما ذكرته تقارير حقوقية وشهادات شخصية خلال العقد الماضي في دول شهدت نزاعات مثل سوريا واليمن ومصر وغيرها.

وخليفة ذات الأصول اللبنانية، باتت ناشطة سياسية وفي مجال حماية النساء والتجارة الجنسية والاستغلال، وتحدثت مراراً عن كواليس تجربتها القصيرة في عمل الأفلام الإباحية، وكشفت الكثير من قصص الاستغلال الجنسي ضمن صناعة الأفلام الإباحية، وذكرت في تصريحات صحافية أنها تواصلت مع الكثير من الفتيات عبر البريد الإلكتروني، تحدثن عن كونهن ضحايا للتجارة الجنسية، فيما تحدث بعضهن عن إرغامهن على ممارسة الجنس في أفلام إباحية، كما أن بعضهن يوقعن على عقود غير مفهومة للعمل، ما يحول حياتهن إلى جحيم بسبب استغلال الرجال.

وعملت خليفة ثلاثة أشهر فقط في مجال الأفلام الإباحية تحولت خلالها إلى واحدة من أشهر نجمات البورنو على الإطلاق، وظهرت في إحدى المرات بالحجاب خلال فيلم إباحي، ما زاد من النقمة العربية عليها. ورغم اعتذارها عن الحادثة وعن نشاطها الإباحي مرات عديدة، إلا أنها كانت شجاعة لدرجة امتلاك ماضيها والاعتراف به وعدم التنصل منه، وتقدمت في حياتها نحو ما هي عليه الآن.

وفي حساباتها في مواقع التواصل، علقت خليفة على الحدث: "شكراً لطلاب أكسفورد على دعوتي للحديث عن شيء مهم جداً بالنسبة لي. أشعر بالتواضع لتاريخ المؤسسة والمتحدثين السابقين في الاتحاد. سيظل هذا عالقاً بذاكرتي، لا أُطيق الانتظار لأخبر أطفالي المستقبليين بأن أمهم تمكنت من الوصول إلى هنا. ونشرت صوراً ومقاطع فيديو من استقبالها في الجامعة بينما تلقت الترحيب الحار من الطلاب ومسؤولي الاتحاد، وهو ما اعتبرته "أعظم شرف في حياتها".