يوم المرأة: الحملات العالقة بين الخصوصية اللبنانية...ومحاكاة الممولين
ثمة تضارب في الصورة الاعلامية للمرأة، ومحاولة اسقاط بيئات متنافرة على الواقع المحلي، تتعارض في بعضها، وتتفق في بعضها الآخر، مع طموح السيدات اللبنانيات. غالباً ما تذهب حملات المناصرة الالكترونية الى عزل جزئي للمرأة عن محيطها، فيما، في المقابل، يذهب المغالون في مكافحة فكرة تمكين المرأة، الى استجلاب النماذج الأبشع، لإحباط فكرة التمكين.
يترافق يوم المرأة العالمي، مع وابل من التبريك والتبجيل بواقع المرأة ودورها الأساسي في الأسرة والعمل، وقدراتها "الخارقة أو البطولية" في إنجاز مهام متعددة في آن معاً، ما يدفع للسؤال عن الضغط النفسي والإجتماعي الذي تتعرض له النساء، من أجل تحقيق الإستقلالية والتمكين، والقوة، لمواجهة هذا العالم.
هل شعارات "كوني القوية، كوني الذكية، المتمردة وغيرها"، هي في إطار وضعها في قالب إجتماعي واحد؟ وماذا عن تسويق مواقع التواصل الاجتماعي لطلب بعض النسوة بالحصول على "الدلال"، والمكوث في المنزل؟ هل يعد رضوخاً إجتماعياً، وصورة مهينة للمرأة؟
|
غير أن إسقاطات الحملات، المؤيدة والمعارضة، لا تحظى بتوافق نسائي عام. شعار "strong independent woman"، علي سبيل المثال، يستفز السيدة رباب جزيني وهي أم عزباء لطفلين، وصاحبة مشروع عمل في الترجمة. وتقول في حديثها لـ"المدن"، إنها ليست مع فكرة حقوق المرأة والمساواة بالواقع الحالي في لبنان، بل تؤمن "بضرورة عودة الأنوثة إلى مكانها الطبيعي أو الفطري، وعودة الذكورة إلى إطارها والتي هي من المفترض أن تكون قائمة على مبدأ المشاركة والإحترام المتبادل".
لا تنكر جزيني أنها حققت الإستقلالية والإنتاجية، إلا أنها لا ترى دورها في إطار الإعالة والحماية، بل خلقت لتكون مبدعة ومؤثرة في ميحطها أو بمكان معين، أو بتربيتها لأطفالها.
تقول إنه "للمرأة دور فطري في الإبداع والتلقي والتوجيه، في حين أن الرجل يجب أن يكون القائد والراعي والحامي والمسؤول عن العائلة أو محيطه". كما تلفت الى أن هناك "مفهوم التغريب الذي نحمله من الغرب ونضعه في مجتمع مغاير لعادات وتقاليد والظروف الإجتماعية في مجتمعنا". وتقول إن التوازن في الأدوار هو الحل الأنسب في الحياة.
والحال إن فكرة التميكن، المقبولة بشكل عام، لها معايير خاصة عند الدخول في تفاصيلها. ترى الشابة إليزا كرم في حديث لـ"المدن"، أنه لا يجب أن نضع المرأة في كادر معين أو خصوصية معينة، من دون أن نؤمّن لها مظلة إجتماعية متكاملة لتحقيق الإستقلالية والقوة وغيرها من الصفات، فلكل إمرأة ظروفها وقناعتها.
تعارض كرم فكرة أن تكون المرأة "خارقة" وتأطيرها في قالب "المرأة ناجحة وحاملة شهادات وتعمل في المنزل وخارجه، وربة أسرة..". في رأي كرم، يوم المرأة هو تذكير بأهمية النضالات، ولا يتحقق هذا اليوم في حال عدم تواجد حقوق عادلة للنساء، و"المطالبة بالحقوق النسائية يجب أن لا تكون بالمنظار الهجومي، أي توجيه أصابع الإتهام إلى الرجل في كل قضية نسوية والتعميم الشامل بأن الرجال كلهم سيئون".
|
من جهتها، تؤكد السيدة رنا نصر الدين، أنها مع التمكين من ناحية التحصيل العلمي، والحصول على وظائف مهمة. لكنها شخصياً تفضل عملها الحالي الذي يتبع لساعات عمل معينة، وهو مريح لها ولعائلتها، ولو لم يكن ذلك ليتوافر في عملها لفضّلت البقاء في البيت. وتقول إنها حاصلة على الإستقلال المادي، إلا أن الدعم الأساسي تتلاقاه من زوجها على الدعم، والذي يجب أن لا تلغي دوره ومكانته في الأسرة ، فالأدوار يجب أن تكون متناسقة".
|
القادري: الحملات النسوية تحاكي الممولين
وتشير القادري، التي أنجزت دراسات عديدة عن صورة المرأة في الاعلام، إلى أن العمل النسوي في لبنان تمركز حول عمل الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، وغالباً ما كان يفتقد الى منطلقات فكرية ومفاهيمية صادرة عن الأوساط الأكاديمية التي من المفترض بها أن ترعى آليات عمله، وتثير إشكالياته، وتأخذ في الإعتبار تعقيدات السياقات المحيطة به.
وتضيف: "هذا عدا عن أن التيارات الفكرية النسوية التي راجت في بلادنا، والمستوحاة من الفكر النسوي الغربي، كانت خطّية وانتقائية، فانحازت الى بعضها (لا سيما تلك التي تؤمن بحتمية الصراع بين المرأة والرجل) وأغفلت البعض الآخر (لا سيما تلك التي تنادي بالتشابك بين الحيزين العام والخاص، بين المرأة والرجل، وتلك التي تنادي بالمقاربة النسوية للرعاية". وتنتقد القادري "النظام الرأسمالي الذي همش مختلف الأعمال التي تتطلب عناية ورعاية، ولم يثمنها". والدليل بحسب القادري هو "كيف إستفاق العالم أخيراً على أهمية هذه الأعمال أثناء جائحة كورونا".
أما في ما يخص حملات المناصرة لقضايا النساء في لبنان، فتشير القادري الى "نخبويتها" والى "اعتمادها أحياناً لغات أجنبية، فتبدو وكأنها تحاكي المموّلين، وهذا ما يحد من قدرتها على محاكاة طموحات وآمال النساء من مختلف الأوساط الاجتماعية".
وتتوقف القادري عند التحولات الكبرى المترافقة مع التطورات التكنولوجية والإتصالية، بحيث "تحول العالم الإفتراضي إلى منصة للاستنكار، للصراخ، للاستعراض، للتنمر، للتشهير... اختلط فيه كلام العارف بالجاهل، الجلاد بالضحية، المرسل بالمتلقي". وتضيف أن هذا "الفضاء بإنسلاخه عن أرض الواقع غدا غير قادر على إيجاد دينامية للنقاش مع المحيط الأوسع ومع مختلف الأطراف المعنية بمختلف تلاوينها".
وتقول القادري، إن هناك مساراً لتشكل القضايا الاجتماعية، "يبدأ من تعيين المشكلة والعمل على إشكاليتها من قبل الباحثين، فيتلقفها الناشطون ويتحركون من أجلها ويعملون على إثارتها، عندها تصبح موضوعاً متداولاً في الفضاء العمومي عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل، لتصل الى صنّاع القرار".
النسويات خارج الشارع
في رأيها، "الحركة النسوية في الفترات السابقة كانت تعتمد كثيراً على تحركات الشارع، نظراً لصعوبة الوصول إلى صنّاع القرار في لبنان". إلا أنه، وبحسب وزنة، إستطاعت الحركة النسائية إحداث خرق في البرلمان، من خلال طرح قوانين ومناقشتها، ما أدى إلى تأثير في الإجراءات التشريعية على أرض الواقع.
وتقول وزنة إن الشعارات التي تطلقها الحركة النسوية، هي ليست أبداً من منطلق تحميل النساء قدرات طائلة، "فقدرات المرأة يجب عدم التشكيك فيها، ولو كان هذا التشكيك قائماً، لما حصلت النساء في لبنان على الحقوق نتيجة ضغط الحملات". وتشير وزنة إلى أن "حملات المناصرة نابعة من السياق اللبناني وتحمل الحق الإنساني وتتوافق مع المعاهدات والإتفاقيات الدولية التي لبنان موقع عليها".