"معاوية" يحيي التوترات السنية-الشيعية..بعد حقبة "داعش"

راغب ملي
الجمعة   2023/02/24
الممثل السوري لجين اسماعيل في شخصية معاوية بن أبي سفيان
أعاد الإعلان عن مسلسل "معاوية بن ابي سفيان" الذي سيعرض خلال موسم رمضان المقبل، السجالات التي اتخذت طابعاً مذهبياً حاداً هذه المرة بين السنة والشيعة، امتداداً للانقسام بين المذهبين حول الشخصية "المكروهة" بالنسبة الى الشيعة، و"الناجحة سياسياً" بالنسبة لكثير من السنّة. 

وغالباً ما تُثار حالة جدل حول إشكالية تجسيد الصحابة على شاشات التلفزة. ينقسم الناشطون في المنصّات الرقمية والشبكات الاجتماعية حول "مقاصد" انتاج المسلسل وخلفياته. ينظر الشيعة الى هذه التجربة على أنها "عمل فتنوي"، كونه يحمل دلالات سياسية خاصة في الأوساط الشيعية، عبّر عنه مؤخراً، زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الذي دعا السعودية إلى وقف العمل وعدم عرضه. 


ويعرض المسلسل سيرة معاوية بن أبي سفيان،  ويروي دوره في الحرب التي وقعت داخل الدولة الإسلامية عقب مقتل الخليفة عثمان بن عفان، سنة 35 هجرية. كما يرصد العمل المحطات الأبرز في طريق معاوية نحو كرسي الخلافة، لا سيما حربه ضد الخليفة الرابع الإمام علي بن أبي طالب، وحادثة التحكيم.

"معاوية" في عمل 2011
وليس هذا العمل هو الأول الذي يتناول سيرة معاوية. سبقه مسلسل "معاوية والحسن والحسين" الذي عُرض العام 2011، وتعرض آنذلك لهجوم كبير في الأوساط الشيعية، إذ أعلنت المرجعية الشيعية العليا في العراق، برئاسة المرجع الشيعي السيد علي السيستاني، "تحفظها" على عرض المسلسل خلال شهر رمضان في عدد من المحطات الفضائية العربية، على اعتبار أنه سيزيد من الاختلاف بين المسلمين بتعرضه لأحداث حساسة جداً في التاريخ الإسلامي، في إشارة الى الخلافات حوله. على إثر ذلك الإعلان، اتخذ البرلمان العراقي قراراً بمنع عرض المسلسل على أي من القنوات العراقية.

الجدل نفسه، تكرر في فيلم "سيدة الجنة" الذي أنتج العام 2021، وهو فيلم درامي تاريخي بريطاني أخرجه إيلي كينغ في أول إخراج له، وكتبه رجل الدين الشيعي ياسر الحبيب، الزعيم الروحي لهيئة خدام المهدي، ويتناول قصة حياة السيدة فاطمة الزهراء أثناء وبعد وفاة النبي محمد، وأثار جدلاً واسعاً في أوساط المسلمين ونتيجة لذلك صدر قرار بمنع عرضه في بريطانيا والمغرب. 


حساسية معاوية
ومع أن هناك أعمالاً كثيرة تناولت شخصيات لا تحظى باتفاق المذهبين، مثل مسلسل عمر بن الخطاب، وخالد ابن الوليد، وهارون الرشيد، وغيرها من الشخصيات العربية، إلا أن معاوية وابنه يزيد، يتسم تناولهما بحساسية فائقة لدى الشيعة، بالنظر الى ان معاوية قاتَل الإمام علي في معركة صفين، واتهم بقتل ابنه الحسن بن علي، اضافة الى أصحاب علي من حُجر بن عدي، الى نفي ابي ذرّ الغفاري. أما يزيد فكان الآمر بقتل الحسين بن علي في معركة عاشوراء.
 
وينظر الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم ريحان الى الجدل على أنه "سابق لأوانه"، قائلاً لـ"المدن" إن المسلسل "يتناول حقبة تاريخية تختلف الروايات والآراء حولها". لكنّه في الوقت نفسه يقول إنه "من المبكر الحكم على المسلسل من مجرد عنوانه"، مضيفاً أن "تناول الحقبات التاريخية بأعمال درامية لا ينبغي أن يُحمّل أكثر مما يحتمل". ويقول: "ما يتضمنه المسلسل موجود في كتب التاريخ الإسلامي ولم يأتِ بجديد، هو فقط يصوّر ما نقله المؤرخون، والحملة على المسلسل هي سياسية أكثر مما هي واقعية، إذ لم يعلم أحد مضمون الحلقات بعد، وهذا في حد ذاته استباق للأمور ولزوم ما لا يلزم"، مشيراً الى انه مجرد عمل درامي، مثله مثل مسلسلَي "عمر" و"الحسن والحسين" وفيلم "الرسالة" وغيرها.


مهزلة
وينظر كثيرون الى هذا الجدل على أنه "مهزلة فعلية بعد أكثر من ألف عام على الخلافات"، حسبما تقول الاعلامية ايناس كريمة لـ"المدن"، مضيفة إن رأيها كان واضحاً منذ البداية، إذ أن "من يريد مشاهدة المسلسل فليشاهده، ومن لا يريد فليمتنع، ولعلّ الافضل بين هؤلاء هي تلك الفئة العقلانية التي ستقوم بمشاهدته وتشرّحه وتظهر المغالطات فيه (إن وجدت) وتنتقدها". 

كريمة، تترقّب العمل وتنوي مشاهدته وتناوله من زاوية النقد البناء، بعيداً من الشعبوية الدينية التي "تخدم أهدافاً سياسية مفهومة وواضحة للجميع". وتضيف: "أما كل ما نراه على المنابر الافتراضية فلا طائل منه، وكل الهرج والمرج ولغة التخوين والاستعراض الخفيف، والتصفيق والتطييب وإقحام العمل في التجاذبات السياسية، فهو مجرد دعاية للعمل، لا أكثر". وتتساءل كريمة: "هل من الطبيعي أصلاً أن يعكس هذا العمل الذي يتحدث عن خلاف عمره 1400 سنة كل هذا الاستنفار والغضب، لا سيّما أنه استفز مراجع دينية قامت بدورها بالتحريض من خلال تصريحات وتغريدات جيّشت المشاعر الدينية لدى البعض من بوابة الفتنة؟". 

استقطاب سياسي
وظهر أن هناك استقطاباً سياسياً في التعاطي مع العمل. يقول ناشط عراقي محسوب على التيار الموالي لإيران: "إننا لا نفهم التعاطي المُسيس مع العمل الفني، لماذا لا نتعاطى مع العمل بحجمه، ولماذا نسمح دائماً للتجاذبات السياسية الدخول في شحذ التفرقة بيننا وبين أخواننا من أهل السنّة؟!"

ما توصل اليه، يبدو واقعياً. فالأزمة التي أنتجها المسلسل اليوم، تعيد الاصطفافات المذهبية بمعزل عن الخلافات السياسية، وهي الأشد خطراً على بيئة هدأت توتراتها في لحظة سيطرة "داعش" على أراضي سوريا والعراق، وتحول الخلاف بعدها الى خلاف سياسي، قبل أن يعيد المسلسل تغذية الانقسامات المذهبية.