إحباط مسيحي: لا رئاسة ولا مستقبل؟!

نور الهاشم
الخميس   2022/11/24
التردّد في إطلاق وصف مباشر عن إحباط المسيحيين في لبنان، من قبل سياسيين وفاعلين في الشأن العام، لا ينفي الواقعة التي تتردد من وقت الى آخر، في رغبة مضمرة لتبقى حبيسة الصالونات السياسية، وأحاديث الـ"أوف ريكورد" مع الصحافيين. 


يتنامى هذا الشعور يوماً بعد يوم، منذ العام 2018، ويتصاعد أخيراً مع دخول الاستحقاق الرئاسي في مرحبة تعثّر وشروط متقابلة. يسأل فاعل في الشأن السياسي المسيحي: لماذا توضع مواصفات للرئيس، ولا توضع مواصفات لرئيس حكومة أو رئيس البرلمان؟ ولماذا يُفرض على المسيحيين "رئيس توافقي"، بينما لا توضع تلك الشروط عند الحديث عن الرئاستين الثانية والثالثة؟

وعلى الرغم من الطابع المذهبي الصرف للمقاربة الأخيرة، إلا أنها واقع لا يمكن تجاهله. يدرك طارحو تلك الأسئلة الإجابة المسبقة على هواجسهم. تخطى الشيعة شعور الاحباط، إثر التنسيق بين الحزبين الفاعلين اللذين ينحصر فيهما تمثيل الطائفة في البرلمان والحكومة. وتخطى السنّة الى حد بعيد هذا الشعور، إثر تصاعد نفوذ نادي رؤساء الحكومات السابقين، اللذين بدوا يداً واحدة في مقاربة الاستحقاقات والمواقف، وذلك بعد مرحلة من التشظي، وصلت الى ذروتها بابتعاد "تيار المستقبل" عن السلطة وتراجع نفوذه في داخل النظام. 

ما ينطبق على الطرفين الشيعي والسني، والدرزي أيضاً، لا ينطبق على المسيحيين. تحدد الطوائف خياراتها، وتفرض شروطها على الآخرين. أما المسيحيون، فتُحدد الشروط لهم، فتضيق خياراتهم، ويُجبرون على الإذعان لشروط الآخرين. هل هي مشكلة دستورية تفرض ظروف انتخاب الرئيس؟ بالتأكيد لا، طالما أن الميثاقية وأعراف البلد، تتيح لهم اتخاذ الخيار المناسب. هي مشكلة انقسام المسيحيين أولاً وأخيراً، وتحولت الى مسبب لا لبس فيه لإحباط لا يمكن علاجه إلا بتوافق الكتل المسيحية الأكبر. 

اختبر المسيحيون تجربة في اتفاق معراب، فرضت على الآخرين التعامل معها بايجابية. للمرة الأولى منذ العام 1988 على الأقل، انتاب المسيحيون شعور الانتصار. رفع اتفاق معراب بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" تلك المشاعر الى حد كبير، وألغاها.

لم يدم الوفاق طويلاً. انكسر الاتفاق بعد ثلاث سنوات. عاد المسيحيون الى التشظي، ربما لصراعات داخلية بين الحزبين الأكبر، كما يرى البعض.. وربما لفشل تجربة "العهد القوي" التي، عملياً، "فرملت السيستم"، عندما جاء الرئيس بحاضنة مسيحية تجبره على تلبية متطلباتها بعد عقود من الحرمان، فكان طرفاً في الصراع وليس مديراً له، أو وسيطاً فيه، خلافاً لتجارب كل الرؤساء منذ توقيع اتفاق الطائف، ما وضعه في مواجهة مع الآخرين، المسيحيين والمسلمين، وانعكست، تالياً، على سيرورة البلد. 

أثمر هذا الانقسام إحباطاً لدى المسيحيين. من دونه، يمكن للطرف "الشريك مناصفة مع المسلمين"، فرض رؤيته. ولا يبدو أن الانقسام مرشح للتلاحم في الوقت الحاضر. يتشظى المسيحيون بين خيارات سياسية متعددة، ويحركون على ايقاعها، قرباً أو ابتعاداً، تماماً كما كان الوضع خلال السنوات الـ15 الماضية.

ماذا لو اتفق المسيحيون؟ سؤال يعبر الصالونات السياسية الى مراكز القوى الإقليمية، ولا يبدو أن هناك جواباً واضحاً في ظل مواقع قيادية محدودة، ومقاعد نيابية تتخطى حكماً عدد الطامحين لإشغالها. يتخطى الإحباط الموارنة الى مذاهب مسيحية أخرى، مثل الكاثوليك والأرثوذوكس، يتوزعون بين القوى المسيحية التي يترأسها موارنة. أنهى قانون الانتخاب الأخير الزعامات التقليدية للمذهبين، وتشظي ممثليهما بين القوى المسيحية الاخرى. هو إحباط إضافي لا ينكره أبناء المذهبَين، وليس بوسعهم الخروج منه وعليه، ليصبح إحباط المسيحيين، مثلثاً. 

يفكّر المسيحيون في المستقبل. لا الفيدرالية يمكن أن تنقذهم من الإحباط، خوفاً من انفجار الصراعات السياسية، كون تجربة "حرب الإلغاء" لا تزال ماثلة.. ولا التوازنات الاقليمية ستسمح باستعادة صلاحيات رئيس الجمهورية وإعادة لبنان الى نظام رئاسي. ولا المثالثة يمكن أن تؤدي الى رفع الغبن، بقدر ما يمكن أو تنتقص من صلاحيات الطائفة وامتيازاتها. مروحة الخيارات ضيقة، ولن يكون هناك "ستاتيكو" أفضل من القائم الآن. ينظر الفاعلون في الطائفة الى الآخرين بحسرة، ويزدادون احباطاً كلما صدرت دعوة للتوافق على اسم جديد للرئاسة... وكأن القرار مصادر في طاحونة المذاهب اللبنانية.