معركة الراعي و"حزب الله"..أبعد من اشتباك على الخيارات

نذير رضا
الإثنين   2021/08/09
تتزايد أوجه الشبه بين الحقبة السابقة للحرب اللبنانية، والحقبة السياسية اليوم، بانقساماتها واتهاماتها وخياراتها السياسية، رغم اختلاف لاعبيها ومواقعهم، واختلاف الظروف التي تحول دون إشعال حرب داخلية، لا تزال حتى اليوم مستبعدة. 


تتدرج المفردات الاعلامية من السيادة والحرية، الى الكرامة والتخوين والاتهامات بالعمالة لاسرائيل، تماماً كما كان الأمر في الفترة السابقة لاشتعال الحرب اللبنانية، ويعيش جمهور واسع على ايقاعاتها تغريداً وترديداً، بما يؤشر الى ان الخيارات السياسية، قفزت فوق قواعد الاشتباك السياسي التي كانت قائمة حتى فترة ما قبل انتفاضة 17 تشرين، وتفلتت من اي ضابط سياسي، وأباحت التوظيف الطائفي لتثبيت الخيارات وحشد مؤيديها. 

ويشير تصعيد البطريرك الماروني بشارة الراعي ضد "حزب الله"، وما تلاه من هجوم جمهور الحزب عليه، وردود جمهور حزب "القوات اللبنانية"، الى أن لغة الحوار التي حفظت التوازنات السياسية، على الأقل في الاعلام، ذهبت الى غير رجعة. خسر لبنان جزءاً من ثيمة يتغنى بها منذ سنوات طويلة، وتعد ركناً من اركان الأنظمة التشاركية. فرضت الخيارات السياسية كباشاً استجد بعد 30 عاماً من التهدئة، ظن خلالها اللبنانيون انهم يتفقون على الجوهر، بينما تمثل الخلافات على الهوامش جزءاً من طبيعة التداول الديموقراطي. 


والخلاف الآن، الذي يتخذ شكل الاتهامات بالتطبيع مع اسرائيل، كما يصوره جمهور الممانعة، وارتباط الحزب بالمشروع الايراني، كما يقول جمهور "القوات اللبنانية"، ليس إلا واجهة لخلافات أعمق حول هوية لبنان، تتنازع المشهد السياسي الآن، وتغذي الانقسامات العمودية بين الاقطاب، لدرجة أنها انزلقت الى اصطفاف طائفي، وتحديداً بين الموارنة والشيعة بشكل خاص. 


ولم يكن هذا النقاش على هوية لبنان لينفجر، لولا التردي الاقتصادي الذي يعانيه لبنان. ثمة مخاوف مارونية حقيقية من أن تعمق الأزمة، سيقود البلاد الى محور يدفع عنها هذا الجوع مقابل شراء الولاء، وهو ما تمثل في السجال بين وزيري الصحة الحالي حمد حسن، والسابق غسان حاصباني، حول الدواء الإيراني، كما سبقه في الرفض القاطع للمحروقات الإيرانية التي أعلن "حزب الله" عن نيته استيرادها عندما يتوقف الدعم عن المحروقات. 

وفي المقابل، ثمة مخاوف لدى "حزب الله" من أن تقود الأزمة المعيشية البلاد الى "حياد" في الصراع مع اسرائيل، يتخذ شكل التطبيع المقنّع، رغم تأكيد البطريرك الراعي ان ما يُراد منه، هو تثبيت هدنة 1949 في استعادة واقعية لشكل لبنان المحايد، الذي سبق اتفاق القاهرة في العام 1969، وهو ما فشل لبنان في تكريسه طوال السنوات الماضية التي تلت اتفاق القاهرة، ويتمثل في أن يكون بمنأى عن التطورات الاقليمية، ومن ضمنها الصراع مع اسرائيل. 

تتنازع هواجس الطرفين على المنصات الافتراضية وفي التصريحات الاعلامية، من غير أن يمتلك أي منهما القدرة على القفز من المنطقة الساخنة في "تويتر" وشاشات التلفزة، الى المنطقة الاكثر سخونة في الشوارع. فالخلاف الآن، رغم تسعيره عند كل حدث أمني أو سياسي، من الصعب أن ينزلق الى مرحلة العام 1975 ليس بسبب الاختلال في توازن القوى، وهي معضلة يمكن أن تُحل خلال أشهر في حال اتخذ القرار، بل لأن الحزب في النهاية حزب لبناني، خلافاً لمنظمة التحرير الفلسطينية، فضلاً عن أنه لا قرار دولياً بتفجير الستاتيكو اللبناني بقدر المساعي لإعادة انتظامه، وهي مهمة صعبة في ظل الكباش الدولي والتباينات الإقليمية.