أولمبياد طوكيو ومعنى الحياة في سوريا

وليد بركسية
الجمعة   2021/08/06
مذهلة فعلاً هي الميدالية البرونزية التي حصل عليها الرباع السوري معن أسعد في أولمبياد طوكيو، لأن رحلة الرياضي البالغ من العمر 27 عاماً والمنحدر من محافظة حماة وسط البلاد، كانت فردية في بلد يحكمه نظام دكتاتوري متوحش وسط حرب أهلية إثر ثورة شعبية. غير المذهل بالطبع هو الطريقة التي يستغل فيها النظام السوري ذلك الإنجاز الفردي لتلميع صورته أمام السوريين في الداخل والذين يعبرون يومياً عن استياء متزايد من السلطة الفاشلة.

وبغض النظر عن انتماءات أسعد السياسية وولائه للنظام من عدمه وتصريحاته التي قدمها لوسائل الإعلام وتناقلتها الصفحات الموالية للنظام في مواقع التواصل، وأهدى فيها الميدالية البرونزية الأولى لسوريا في رفع الأثقال على الإطلاق، لرئيس النظام بشار الأسد ولـ"الجيش الباسل"، فإن إعلام النظام السوري استعاد صورة قديمة لأسعد من أولمبياد ريو دي جانيرو العام 2016، يظهر فيها بحذاء مهترئ من دون أن يحقق إنجازاً يذكر حينها، بغرض عقد مقارنة تزعم أن سوريا استعادت عافيتها خلال السنوات الخمس التي تفصل بين الدورتين الأولمبيتين، على المستوى السياسي طبعاً.

استعادة الصورة كانت مضللة بحد ذاتها، مع القول أن الإعلام العالمي الذي نقل صورة الحذاء في البرازيل كان يسخر من أسعد ومن الشعب السوري، لكونه على ما يبدو شريكاً في المؤامرة الكونية المتخيلة ضد سوريا الأسد، رغم أن التركيز على الحذاء حينها كان حتمياً لأنه مشهد لافت يصنع فيه بطل رياضي مجده وحيداً سواء فاز أم خسر، من دون وجود دعم رسمي أو هيكلية داعمة للأفراد من أجل تطوير مواهبهم. وبالتالي لم تكن السخرية مقصودة بقدر ما كان الحدث السوري سياسياً وعسكرياً يشكل الخلفية لتلك القصة غير المألوفة، سوى في قصص الأنمي ربما، والتي يظهر فيها بطل صغير في السن بارع في رياضة ما ليشق طريقه من الفقر إلى النجومية.



وبالتالي كان الاستغلال الرسمي للميدالية البرونزية التي حصدها أسعد في وزن 109 كغ، قميئاً ومألوفاً في آن معاً، كما تكرر في حالة زميلته لاعبة تنس الطاولة هند ظاظا (12 عاماً)، أصغر لاعبة تشارك في أولمبياد طوكيو، وأصغر رياضي في الأولمبياد على الإطلاق منذ العام 1968، التي حظيت باهتمام عالمي ما دفع رئيس النظام بشار الأسد للاتصال بها شخصياً، لإعطاء انطباع خادع بأنه "راعي الرياضة والرياضيين"، وهو لقب فعلي يحمله الرئيس السوري منذ أيام حافظ الأسد وتمتلئ به الملاعب السورية عموماً.

بعكس ذلك، أعطت الألعاب الأولمبية هذا العام لمحة صادقة عن معنى الحياة في سوريا الأسد، فالفارس السوري أحمد حمشو الذي خرج بشكل مهين من منافسات الفروسية في طوكيو، هو نموذج واضح للفساد المستشري في سوريا في كافة مجالات الحياة بما فيها الرياضة. فالرياضي البالغ من العمر 30 عاماً والذي رفع علم النظام السوري في حفل افتتاح الأولمبياد، هو رجل أعمال مقرب من النظام وخاضع للعقوبات الاقتصادية الأميركية منذ حزيران/يونيو 2020 بموجب قانون "قيصر"، علماً أنه ابن رجل الأعمال محمد حمشو الخاضع للعقوبات الأميركية من آب/أغسطس 2011، ودافعت عنه الصفحات الموالية باعتباره قامة وطنية لا يجب السخرية منها أو الشماتة بها.

ويعطي نظام الأسد اهتماماً مبالغاً فيه للفروسية باعتبارها كانت "لعبة النبلاء" التي نافس فيها باسل الأسد، شقيق الرئيس بشار الأسد الذي قتل في حادث سير غامض العام 1994. وفيما كان أحد ألقابه "الرائد الركن المظلي الفارس" يقول ناشطون سوريون أنه قام بسجن البطل السوري عدنان قصار العام 1993 لأنه تفوق عليه في إحدى بطولات الفروسية، ولم ينل القصار حريته إلا بعد 21 عاماً. وبعد وفاة "الفارس المظلي" بقيت الفروسية لعبة تحتكرها عائلة الأسد، فمنال الأسد، زوجة ماهر الأسد، هي "الرئيسة الفخرية" لاتحاد الفروسية في سوريا، وتمتلك فريقاً للفروسية يشارك في البطولات اسمه "Team Spirit"، ولا يمكن نسيان صورة التقطت العام 2019 وتظهر فوز ابنتها شام الأسد بالمركزين الأول والثاني معاً في أحدى البطولات المحلية.

على أن استغلال النظام بسرعة لأبطاله الأولمبيين من أجل تمرير رسائل "النصر" السياسية والعسكرية، إلى جانب "الانتصار الرياضي" الذي بات انتصاراً لسوريا الأسد، لم يكن عبثياً بل كان جزءاً من خطاب أوسع كان شديد المباشرة في اللقاء الإعلامي الذي أجرته المستشارة الرئاسية لونا الشبل الشهر الماضي، وطالبت فيه السوريين بالصمود الإيجابي معتبرة أن الدولة السورية ليست مسؤولة عن إيجاد الحلول وتقديم الوعود فيما يخص الجانب الاقتصادي والخدمي. وتصبح بطولات الرياضيين الفقراء الخارجين من البلد المدمر والممزق في المحافل العالمية مثالاً إيجابياً يتم طرحه أمام الموالين المتذمرين الذين يريدون من الدولة الأسدية أن تقوم بواجباتها لا أكثر، والذين كانوا يعتقدون أن الحياة ستعود أفضل مما كانت عليه قبل العام 2011 بعد "نهاية الحرب".

يقود ذلك إلى الجدل المثار حول الرياضيين أنفسهم، أسعد وظاظا بالتحديد، من ناحية كونهما مشاركين في تمرير الرسائل السياسية للنظام من عدمه، بالتوازي مع جدل سياسي أولمبي من بطولة العداءة البيلاروسية كريستينا تيمانوفسكايا التي حصلت على لجوء إنساني في بولندا خوفاً من القمع في بلادها التي يحكمها الرئيس ألكسندر لوكاشينكو منذ العام 1994، وأثارت إعادة انتخابه المشكوك بنزاهتها العام الماضي، احتجاجات في أنحاء البلاد ووجهت بالقمع والقوة.

لكن في الحال السورية، يصبح تقديم طفلة عاشت حياتها بالكامل تقريباً في ظل الحرب السورية ورياضي بسيط صنع نفسه بنفسه، كمشاركين في البروباغندا الرسمية على غرار منتخب النظام لكرة القدم، مبالغاً فيه ربما، ليس فقط لأن الرياضتين التي يشاركان بها هي رياضات فردية ينظر لها عموماً كإنجاز شخصي بحت مقارنة بالرياضات الجماعية، بل لأن الوقت حان ربما لتغيير الصورة الإعلامية المتداولة كثيراً حول السوريين الذين يعيشون تحت سلطة نظام الأسد، والذين يشكلون ضحايا للنظام الحاكم بالدرجة الأولى، خصوصاً أن كثيراً منهم لم يختبروا سلطة أخرى ولا يمتلكون ربما حيزاً واسعاً لإجراء مقاربات مع دول العالم، سوى من منظور ضيق تؤثر عليه عمليات غسل الأدمغة التي يقوم بها النظام منذ عقود بحق السوريين منذ سن صغيرة عبر مؤسساته المختلفة.