تجارب لقاح السل لمكافحة كورونا تثير جدل العنصرية

حسن مراد
الخميس   2020/04/16
لاعب كرة القدم الكاميروني، صامويل ايتو، صرّح بأن ما سمعه تسبب له بجرح عميق
من الطبيعي أن تلجأ وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة إلى استضافة الأطباء وأهل الاختصاص للإدلاء بدلوهم حول فيروس كورونا لسببين: أولاً لإضفاء المصداقية على ما يصدر عنها، وثانياً للمنافسة الشديدة بينها وبين وسائل التواصل الاجتماعي التي لا تنقل بالضرورة أخباراً موثوقة. 
في معرض تغطيتها المستمرة لانتشار فيروس كورونا، استضافت محطة LCI الفرنسية، يوم الأربعاء 1 نيسان، كلاً من الطبيب جان بول ميرا (مسؤول قسم الإنعاش في مستشفى كوهين الباريسي) والدكتور كاميل لوكت (مدير أبحاث في المعهد الوطني للصحة والأبحاث الطبية - INSERM). كان يمكن لهذه الفقرة التلفزيونية أن تمر مرور الكرام حالها حال عشرات المداخلات اليومية، لكن مقطعاً من 35 ثانية دفع بالضيفين إلى الواجهة الإعلامية

خلال النقاش حول دراسة تتناول فعالية لقاح السل في علاج الكورونا، توجه ميرا بسؤال للوكت، بدأه بعبارة: "وإن كنت مستفزاً في كلامي"، ليكمل: "ألا يجب إجراء هذه الدراسة في أفريقيا حيث تنعدم الكمامات الواقية، كما العلاجات وغرف الإنعاش؟ تماماً كما في تجارب السيدا، حين تم التركيز على المومسات المعرضات أكثر من سواهن للإصابة، ما رأيك؟"، ليرد عليه لوكت "أنت محق إذ ندرس، بالتوازي، القيام بدراسة مشابهة في أفريقيا لمعرفة فعالية لقاح السل". 

مقطع انتشر كالنار في الهشيم في وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الاخبارية الأفريقية والمغاربية. اتُهم الرجلان بالعنصرية وأن غايتهما تحويل أفريقيا مجدداً إلى حقل للتجارب العلمية وكأن في الأمر استعلاء يمارسه "الرجل الأبيض".

لاعب كرة القدم الكاميروني صامويل ايتو صرح لمجلة L'Equipe الرياضية بأن ما سمعه تسبب له بجرح عميق، فيما شبه أحد المغردين الموضوع بالتجارب النازية التي كانت تجرى في معسكر اوشفيتز. 

وأخذ الملف بُعداً سياسياً بعدما استنكر الحزب الاشتراكي الفرنسي، ما صدر عن الرجلَين، مطالباً منظمة الصحة العالمية بتوضيح طبيعة هذه التجارب. جمعية SOS Racisme الفاعلة في مجال مناهضة العنصرية كان لها موقفٌ مشابه إذ اعتبرت أن الأفارقة ليسوا فئران تجارب، فيما قررت رابطة الدفاع الإفريقية مقاضاة جان بول ميرا وكاميل لوكت.

الجالية الافريقية في فرنسا وجهت بدورها رسالة إلى الرئيس إيمانويل ماكرون، للتنديد بالأمر، والمطالبة باعتذار يصدر عن ميرا وكولت وكذلك عن محطة LCI التي لم تتصدّ لهما. وشددت الشخصيات والجمعيات الموقعة على الرسالة، على أن نقص المستلزمات الطبية في أفريقيا هو نتيجة وليس سبباً، مع عدم استبعاد التقدم بشكوى للمجلس الأعلى للإعلام المرئي والمسموع.

لم يتأخر رد معهد Inserm الذي ينتمي إليه الدكتور كولت. ففي بيان له، اعتبر أن ما نشهده في وسائل التواصل الاجتماعي هو سوء فهم لمقطع مجتزأ، مصنِّفاً ما يجري في خانة تداول أخبار مضللة. وأكد المعهد أن تجارب مخبرية على وشك الانطلاق في أوروبا وأستراليا للتأكد من فعالية لقاح السل ضد الكورونا. وأضاف أنه، وبالتوازي، يتم البحث في توسيع رقعة الاختبارات لتشمل أفريقيا إذ لا يجوز إهمال هذه القارة.
 

استخدام المعهد في بيانه لعبارة "بالتوازي"، والتي أتى الدكتور كولت على ذكرها، تدل على تبني Inserm لما صدر عنه، ما يضفي شرعية علمية على كلامه. من جهة أخرى، ترمي العبارة إلى رفع الإلتباس الحاصل، فالتجارب لن تنحصر في أفريقيا بل ستشمل القارات كلها. 

من ناحيته، أبدى جان بول ميرا، في حديث لموقع HuffPost، أسفه لاستخدامه عبارات "غير واضحة"، معرباً عن صدمته من تهمة العنصرية الموجهة إليه. وأضاف ميرا أن ما قصده بكلامه هو الإشارة إلى أهمية مشاركة بلد أفريقي في هذه الدراسة، فالإجراءات المتخذة في هذه القارة لمواجهة فيروس كورونا لم تكن على المستوى المطلوب، ما يجعل هذه البقعة الجغرافية معرضة للإصابة أكثر من غيرها. 

في اتصال مع "المدن" وصف الدكتور يحيى مكي، المتخصص في علم الفيروسات بمستشفى ليون الجامعي، ما جرى على شاشة LCI، بزلة اللسان. فالطبيبان المذكوران لم يتطرقا في كلامهما إلى أي علاج مستحدث، إذ يتوافر لقاح السل في الأسواق منذ أكثر من 50 عاماً. وبالتالي، ما يتردد حول السعي إلى تحويل القارة الإفريقية إلى حقل تجارب، لا أساس له من الصحة. 

وأعاد الدكتور مكي التذكير بالتعاون القائم منذ سنوات، بين المستشفيات الفرنسية والدول الإفريقية، لا سيما الفرانكوفونية منها. وعليه، فأي تجربة في هذا الإطار ستخضع حكماً لبروتوكولات دولية، فالأمور غير متروكة للأهواء الشخصية. وختم حديثه "للمدن" بالقول أنه قبل طرح أي علاج لأي داء، من الطبيعي اختباره في الدول المعرضة للإصابة أكثر من غيرها. 

من جهته وفي تعليق له على أحد المنشورات، دعا الصيدلي أحمد عيساوي، صاحب المنشور، إلى مشاهدة الحلقة كاملة، شارحاً المبررات العلمية لمثل هذا الإجراء.

جدلٌ دفع بالمجلس الأعلى للإعلام المرئي والمسموع للنظر في الملف، فأصدر في 14 نيسان بياناً لم يتهم فيه أي طرف بالعنصرية، لكنه اعتبر أن طريقة إدارة النقاش من قبل المحطة دلت على نقص في المهنية. وفقاً للبيان، توجب على المحاور التعقيب على الكلام الصادر عن الضيفين وطلب توضيحات إضافية نظراً لحساسية الملف الذي تم تناوله على الهواء. واختُتِم البيان بتوجيه تحية لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة في هذا الظرف المتمثل بحاجة المشاهدين لمتابعة الأخبار، مذكراً بالمسؤولية المضاعفة التي تقع على عاتق هذا القطاع من خلال العمل على توفير المعلومات من جهة والحفاظ على الوحدة الوطنية من جهة أخرى.  

بمعنى آخر، تم تحميل محطة LCI مسؤولية اللغط، إذ كان يتوجب عليها توخي الحذر لعدم الوقوع في فخ نشر الأخبار المضللة. خلاصة تفسر اكتفاء المجلس الأعلى للإعلام المرئي والمسموع بتوجيه تحذير شديد اللهجة للمحطة. تحذير قوبل بردود أفعال متناقضة في وسائل التواصل: بين من رحب به، ومن اعتبره غير كافٍ، بل اتُّهم المجلس في بعض التغريدات بالتستر على المحطة والكيل بمكيالين.  

ما صدر على لسان ميرا وكولت لا يشير بالضرورة إلى استعلاء تمارسه فئة على اخرى، وعدم إلمام المغردين بقواعد وأصول التجارب الطبية يفسر جانباً من هذا السخط. قد يكون سبب إثارة تلك العاصفة، العبارة التي افتتح بها ميرا سؤاله "وإن كنت مستفزاً ...". عبارة أتت، من دون شك، في غير مكانها، ما دفع للاعتقاد بأن ميرا تفوه عن سابق إدراك بما لا يجب قوله. في نهاية المطاف، أدت العبارة المستخدمة إلى مقاربة الفيديو المجتزأ بحساسية بالغة، حساسية لم تأتِ من فراغ.    

فالشعوب الإفريقية، لا سيما تلك التي عرفت الاستعمار الفرنسي، تنظر حتى اليوم بارتياب لعلاقتها بباريس. ارتياب أدى إلى غرس انطباع مفاده أن فرنسا لم ولن تترك القارة الافريقية وشأنها، كما لن تتوانى عن استغلال خيراتها وسكانها. 

من جانب آخر ومنذ فرض الحجر الصحي في فرنسا، لم يتردد اليمين المتطرف الفرنسي في استغلال أزمة الكورونا سياسياً. من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، تناقل أنصاره صوراً وفيديوهات تتهم المهاجرين المقيمين في فرنسا بعدم الالتزام بتدابير الحجر الصحي، علماً أن هذا غير دقيق. وأشهرها مقطعان مصوران بداية الحجر: الأول تم التقاطه في سوق Château Rouge الباريسي وهو حي تقطنه جالية أفريقية وعربية كبيرة، حيث تبدو الحركة طبيعية، فيما تسعى الشرطة لتنظيمها. أما الثاني فيعود لامرأة أفريقية تسعل عن عمد في وجه أفراد الشرطة لإبعادهم عنها، رافضة الامتثال لأوامرهم.
وفي بعض الأوساط اليمينية المتطرفة، كمنظمة جيل الهوية (Génération Identitaire)، اقترن نشر الفيديوهات والصور بعبارة "الاستبدال الكبير" في إيحاء إلى التزام الفرنسيين منازلهم فيما "ينتشر الأجانب" في الأماكن العامة. 

سعى اليمين المتطرف إلى تحميل المهاجرين مسؤولية استمرار انتشار الكورونا داخل البلاد متجاهلاً نقطتين اثنتين: تاريخ تصوير الفيديو الأول، حيث كان تخزين المواد الغذائية أمراً طبيعياً في الأيام الأولى للحجر. المسألة الثانية أن الفرنسيين بدورهم لم يلتزموا جميعاً (أقله في البداية) بتدابير الحجر، وهو ما تؤكده مقاطع مصورة وتقارير تلفزيونية. 

هذا الاستغلال السياسي ساهم في ارتفاع منسوب الاحتقان لدى تلك الفئة التي ترى نفسها مستهدفة على الدوام، وأن أحلك الظروف لم تتحول إلى محطة للوحدة والتآخي.