هل تستحق البشرية وباء كورونا؟

وليد بركسية
الخميس   2020/03/12
مقتل آخر زرافة بيضاء
ربما تستحق البشرية فعلاً الإصابة بفيروس كورونا المستجد الذي أعلنته منظمة الصحة العالمية أخيراً جائحة عالمية. هذه النتيجة القاتمة جزء من جدالات مستمرة في مواقع التواصل الاجتماعي، بعد الأنباء الأخيرة عن قتل صيادين غير شرعيين لآخر زرافة بيضاء وصغيرها في محمية بيئية، شرقي كينيا، وهي حادثة أحيت الجدل القديم حول كون الإنسان الفصيلة الأكثر تدميراً للطبيعة بين الكائنات الحية.


ولا يعني ذلك النقاش غضباً لحظياً بسبب موت كائن "أقل مرتبة وأهمية" من الإنسان، بل تمتد جذوره عميقاً نحو الغضب من البشرية ككل، عبر تاريخها الذي أسهم في انحدار الكوكب نحو الهاوية، حيث يقول العلماء في دراسة نشرت العام 2018 على سبيل المثال، أن البشر أوصلوا العالم إلى حافة انقراض جماعي قد يمسح أنواعاً عديدة من أشكال الحياة على الأرض لملايين السنين. ويشير أحد التقديرات الصادمة، إلى أن الأرض خسرت نصف الحياة البرية خلال السنوات الأربعين الماضية بسبب طبيعة الحياة الإنسانية المعاصرة تحديداً.

على أن النقاش في مواقع التواصل، يحيل إلى اتجاهات فلسفية متباينة. فبينما يرى البعض أن كورونا يمثل نوعاً من الكارما أو العاقبة الأخلاقية المستحقة، ناقش آخرون القضية من زاوية عدمية، فقدوا معها أي أمل في البشر مجتمعين، فيما أشار من تبقى إلى أن كورونا هو نتيجة طبيعية أقرب للحتمية فرضها تسلسل الأحداث لا أكثر. ومن المثير مقارنة هذه الاتجاهات مع الاتجاهات السائدة في الخطاب الديني في الشرق الأوسط تحديداً، بما في ذلك أحاديث متكررة عن كون "كورونا ابتلاء للناس كي يتوبوا للخالق"، والتي لا تتمنى بالضرورة انقراض البشر بل انقراض جزء منهم فقط، أي "الكافرين".

ومهما كان المنطق الذي استندت إليه الأمنيات التي وزعها البعض في "تويتر"، بانقراض البشر مع وباء كورونا، رداً على مقتل الزرافة البيضاء، استندت الردود المعاكسة على مبدأ واحد وهو أن التصرفات الفردية لا يجب أن تكون محدداً للحكم على البشر مجتمعين، خصوصاً أن البشر لا يفكرون بعقل جمعي واحد، وبالتالي لا يجب إطلاق أمنيات خطيرة تفرح بهلاك وحزن العائلات على الأرض. وكان الرد بأن المشكلة لا تتمثل في مقتل الزرافة بل في استمرارية هذا النوع من التعديات البشرية على الكوكب والتي أسهمت في انهياره، وتم استرجاع حوادث مماثلة مثل انقراض وحيد القرن الأبيض العام 2018 ووحيد القرن الأسود العام 2016 وثقب الأوزون وقضية التغير المناخي وغيرها، رغم كل التحذيرات وحملات التوعية بهذا الصدد.

لكن ما لا تشير إليه تلك الانطباعات اللحظية، يمكن رصده بشكل أعمق في مقالات وأبحاث لباحثين وعلماء، يقولون أن التسارع العظيم في معدلات خسارة التنوع البيولوجي على كوكب الأرض، يرجع إلى النشاط البشري السريع في التوسع، والمدفوع باكتظاظ سكاني متزايد ونمط الحياة الاستهلاكي، ما يجعل الإنسان في النهاية كائناً عدوانياً في بيئة تخضع له بشكل يجعل بقية الكائنات غير قادرة على التكيف مع محيطها المتجدد بسرعة.

والحال أن هذه النوعية من النقاشات، تشكل أساساً لأعمال أدبية وفنية عديدة، فمن رواية "قبل آدم" للكاتب الأميركي جاك لندن، إلى مسلسلات تلفزيونية شيقة، أبرزها مسلسل "The 100" الذي يشارف فيه البشر على الانقراض بفعل كارثة نووية تسبب بها برنامج متطور للذكاء الصناعي صمم أصلاً لتحسين حياة النوع البشري، لكن ذلك الذكاء المتطور وجد، بدرجة لا تستوجب الشك، أن مشكلة البشر هي البشر أنفسهم. أي أن الإنسان هو عدو نفسه، وأن التزايد الهائل في أعداد البشر ضمن ييئة تستهلك بوتيرة أسرع من قدرتها على تجديد نفسها، سيكون كارثياً، ومن هنا تدخل الذكاء الصناعي لخلق أزمة نووية تساعد البشر على البدء من جديد بحياة أفضل عبر قتل 7 مليارات إنسان.

ومن أبرز الأعمال الأخرى التي تتحدث عن سياق نهاية البشرية بسبب وباء، مماثل لـ"كورونا"، سلسلة "12 Monkeys" التلفزيونية المقتبسة عن فيلم ورواية يحملان الاسم نفسه. ويتحدث العمل عن محاولة عالمة فيزياء تعيش في المستقبل الرجوع إلى الماضي وإيقاف انتشار وباء تسبب في مقتل 7 مليارات إنسان إيضاً، لكن لأسباب أنانية تتلخص في رغبتها في إنقاذ ابنتها فقط من الموت، وذلك ضمن سياق فلسفي مبهر يتمحور حول قيمة الإنسان في الطبيعة ودوره المستمر في تدميرها حتى عندما يحاول إنقاذها عبر التلاعب بالزمن نفسه.

وفق ذلك، تصبح الحضارة البشرية هي الخطر الأول على الكوكب وعلى مفهوم الحياة نفسها، رغم أن الإنسان اعتمد التطور الحضاري طوال آلاف السنين لتحسين أسلوب حياته وزيادة فرص نجاته في عالم متقلب. ويصبح بالتالي اكتشاف الزراعة مثلاً، غلطة غيرت مسار الحياة برمتها على الكوكب نحو مصير محتوم بالدمار. فضلاً عن أن الحضارة جعلت الإنسان كائناً أقوى مما يجب، بانتفاء وجود أعداء طبيعيين له ضمن النظام البيئي، ما خلق أزمة في موارد الكوكب في نهاية المطاف.

وفيما يبدو هذا الطرح مظلماً ومخيفاً إلا أنه واقعي للأسف، فالتقارير الأخيرة تشير إلى وصول "يوم استنزاف الأرض" وهو مقياس بيئي للنقطة التي يتجاوز فيها الاستهلاك قدرة الطبيعة على التجدد، مستويات قياسية، ما يعني أن قدرة الأرض على تجديد مواردها باتت في خطر متسارع بسبب الحضارة البشرية نفسها. وأفاد تقرير "شبكة البصمة العالمية" وهي مؤسسة دولية مخصتصة في بحوث الاستدامة أن الاستهلاك البشري للموارد الطبيعية تجاوز قدرة الأرض على تجديد نفسها العام 2019، للمرة الأولى عبر التاريخ في تموز/يوليو الماضي.

وقال ماثيس واكرناغل مؤسس الشبكة: "لدينا أرض واحدة فقط. هذا هو السياق المحدد النهائي للوجود البشري"، حيث باتت هناك حاجة إلى 1.75 كوكب أرضي لتلبية الطلب البشري على النظم الإيكولوجية في العالم. "وهذه ليست مجرد مأساة أخلاقية، بل يرقى الأمر إلى خطر داهم يهدد وجودنا. ذلك أن الانقراض الجماعي سيحرمنا من العديد من خدمات النظم الإيكولوجية التي تعتمد عليها حضارتنا"، حسب وصف الباحثين بول آر آرليخ، وآن أتش آرليخ في مقال نشرته منظمة "بروجيكت سنديكيت" غير الربحية العام 2015.