أوروبا تذعن لحملة إعلامية إسرائيلية: "قانون القومية" شأن داخلي

أدهم مناصرة
السبت   2018/09/08
النواب العرب في الكنيست: "سنقاوم في الداخل.. لكننا سنعزز الجبهة الدولية من أجل حقوقنا"
لم يكن الجهد الذي قامت به القائمة المشتركة (الكتلة البرلمانية العربية في الكنيست) في أوروبا خلال الأيام الأخيرة، الأول من نوعه من حيث السياق والغاية الرامية إلى تعريف العالم بواقع وظروف اكثر من 1.8 مليون فلسطيني يقيمون الآن في الأراضي المحتلة العام 1948، وباتوا يشكلون 20,9% من مجمل سكان إسرائيل. 
غير أن الجديد في حراك القائمة المشتركة أنه الأول الذي يلقى صدى إعلامياً إسرائيلياً بهذا الحجم. ذلك أنه امتاز، بشكل غير مسبوق، بكونه جاء في سياق جامع وممنهج لكل ممثلي الأحزاب العربية في أراضي 48 في الكنيست، فطاروا مُوحّدين إلى بروكسل تحت عنوان رئيس هو "تحشيد أوروبا ضد قانون القومية العنصري الذي أقرته إسرائيل تحت قبة البرلمان مؤخراً".

في بروكسل، استعرض اعضاء وفد "المشتركة" مع المسؤولين الأوروبيين في العاصمة البلجيكية، القانون المذكور بصفته تمييزياً ضد فلسطينيي الخط الأخضر، ويشرعن التعامل معهم من قبل الدولة العبرية كمواطنين من الدرجة الثانية بعد اليهود، رغم ان هذا الواقع المُعاش هو ذاته منذ سنين، غير أن السلوك العنصري الإسرائيلي لم يعد مقتنرناً بأمزجة، وإنما بات محصناً بالقانون الآن.

الحراك الفلسطيني، واجهته اسرائيل على مستويين. المستوى الإعلامي، والمستوى السياسي. في الأول، شنت إسرائيل هجوماً إعلامياً تحريضياً على نواب القائمة المشتركة منذ اللحظة الأولى لإعدادهم وتحضيرهم لهذه الموقعة؛ فوصفهم وزير الدفاع الإسرائيلي افيغدور ليبرمان بـ"الخونة"، وذهب يمينيون متطرفون إلى التحريض عليهم والدعوة إلى فصلهم من الكنيست؛ بحجة أن ولاءهم لغير لإسرائيل.

وورد تصريح للمستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، محاولاً من خلاله أن يُنفّس جولة "المشتركة" العالمية عبر القول ضمناً لأوروبا "إن قانون القومية لم يتعرض لحقوق الإنسان المكفولة بالقانون الأساس".

وبموازاة التصريحات وعمليات التحريض الإسرائيلية، طلبت تل أبيب من وزيرة خارجية الإتحاد الأوروبي، فيديريكا موغريني، عدم لقاء نواب المشتركة، بيدَ أن موغريني أصرت على لقائهم والسماع منهم؛ لكن تحت مبرر "أنها تلتقي الكتل البرلمانية في الكنيست الإسرائيلي من جميع الإتجاهات ولا تُميز في ذلك".

والواقع أن انتصار القائمة المشتركة كان منقوصاً.. فهي نجحت-فعلياً- في الإجتماع بالمسؤولين الأوروبيين وعلى رأسهم موغريني، إلا أنها أخفقت في انتزاع مواقف أو خطوات أوروبية ضد قانون القومية الإسرائيلي الذي يستهدف فلسطينيي الخط الأخضر. فما كان من الإتحاد الأوروبي إلا أن أعلن في اعقاب لقاء رئيس القائمة المشتركة، عضو الكنيست أيمن عودة في بروكسل، أنه يرفض التدخل في مسألة "قانون القومية" الإسرائيلي، باعتباره شأناً إسرائيلياً داخلياً.

وبدا إعلان الاتحاد الأوروبي مرتبكاً حينما قال إنه "سيراقب انعكاسات تطبيق قانون القومية، لكنه يحترم النقاش الدائر في إسرائيل بشأن القانون الذي هو بمثابة الطريقة التي اختارت فيها إسرائيل تعريف نفسها".

الحقيقة، أن الصيغة التي حاولت أوروبا الاختباء خلفها، جاءت في وقت تشهد فيه علاقاتها مع اسرائيل نوعاً من الاشتباك السياسي البعيد في معظمه من الإعلام، على إثر انتقاد الإتحاد الأوروبي المستمر لسياسات اسرائيل الهادفة إلى تهجير السكان الفلسطينيين القاطنين في المناطق المصنفة "ج" من الضفة الغربية، بل وتمويل أوروبا عملية إعادة بناء مساكن فلسطينية تقوم إسرائيل بهدمها لتهجير السكان والسيطرة على الأراضي لصالح الإستيطان.

وانتقل الغضب الإسرائيلي من موقف اوروبا الرافض لتهجير السكان في الضفة، وخصوصاً ما يجري الآن في منطقة "الخان الأحمر"، الى الصحف العبرية، لا سيما "إسرائيل اليوم" التي وضعت عنواناً لمقال تحليلي مفاده "الخان الأحمر: النفاقُ الأوروبي".

أوروبا أرادت أن تقول للقائمة المشتركة- ضمنياً- وفي سياق مونولوجها الداخلي: "ناضلوا انتم وحدكم ضد سياسات إسرائيل فلا تطلبوا المعونة منا.. أما نحن فوظيفتنا مواجهة سياساتها الاستيطانية في اراضي 1967، انطلاقاً من حماية "حل الدولتين". فلسنا في وارد ان نزيد مساحة الخلاف مع إسرائيل".

وبينما شعرت أوساط فلسطينية داخل الخط الأخضر بالإحباط واليأس من مضمون الرد الإعلامي الأوروبي، وقال الكاتب الصحافي المقيم في أراضي 48 سهيل كيوان: "إسرائيل لا تريد تدويل قضية الفلسطينيين الذين يعيشون فيها؛ لأن وصول صوتهم الى العالم يحرجها ويفضحها ويدحض دعايتها الزائفة بأنها تمنح العرب الذين يعيشون فيها حقوقاً متساوية أسوة باليهود".

وقال كيوان لـ"المدن" ان الاستجابة الاوروبية تتطلب استمراراً في نشر الرواية، داعياً الى تنسيق الحراكات الشعبية، سواء في الضفة الغربية وقطاع غزة، أو داخل أراضي 48، لأن المؤامرة تستهدف الجميع، سواء كانت تحت عنوان "صفقة القرن" أو "الكونفدرالية"، أو قانون القومية وغيرها. إن الاحتلال بسياساته وحّد الفلسطينيين أينما يعيشون.

والحال إن كرة العنصرية تتدحرج ضد فلسطينيي الخط الأخضر على نحو لا يمكن تحمله. فبعد قانون القومية، ينتظرهم قانون آخر يجري الإعداد له، حيث يعاقب كل من يرفع العلم الفلسطيني بالسجن لمدة عام. وفي هده الحالة، تبدو لغة أوروبا وخطابها ممجوجين ومفصومين عندما تتحدث عن قانون القومية على اعتبار أنه "سيادي" و"شأن داخلي" لدولة الابارتهايد.

ومهما كان الموقف الأوروبي، تبقى حقيقة لا تنكر، وهي أن خطاب النواب العرب في الكنيست وتكتيكهم النضالي بات مختلفاً ونوعياً، وقد عبّر عنه رئيس القائمة المشتركة أيمن عودة، من قلب أوروبا، بالقول: "سنقاوم في الداخل.. لكننا سنعزز الجبهة الدولية من أجل حقوقنا".