عن "تخاريف" وائل كفوري

بتول خليل
الأربعاء   2018/09/05
في أولى حلقات "تخاريف" على شاشة "إم بي سي"، اختارت الإعلامية المصرية وفاء الكيلاني، وائل كفوري، ليكون أول ضيوفها في برنامجها الجديد، الذي أراد معدّوه أن يكون قائماً بالأساس على الكوميديا السوداء بطريقة جديدة يسهل فيها مزج المضحك بالمبكي، وله رونقه الخاص الذي تُعرف به الكيلاني.

النجم اللبناني الذي نادراً ما يظهر في الإعلام، والملقّب بـ"الفنان الغامض"، لحرصه الشديد على إخفاء تفاصيل حياته الشخصية، بدا في هذه الإطلالة منسجماً مع طبيعة البرنامج ومتجاوباً مع أسئلتها ومتصالحاً في عرض اتساق آرائه التي صدمت البعض لمدى تجردها وصراحتها وجرأتها، ما أثار جدلاً واسعاً في الساعات الماضية بعد بث مقابلته.

الكثير ممن تابعوا الحلقة عبّروا عن تعجبهم واستهجانهم لما ورد على لسان كفوري، في حين أنّه بدا في الحلقة متخففاً من التصنّع والمجاملة، ما أضفى على الحديث الكثير من الشفافية والواقعية، خصوصاً حين عبّر عن نظرته الشخصية، لكيفية رؤيته للزواج واعتباره أنّ إنشاء هذه المؤسسة يعدّ من أكثر المشاريع فشلاً في الحياة، معتبراً أن المحاذير المرتبطة بفكرة الزواج وصعوبة استمرارية العلاقة والتغلّب على تحديات نجاحها تكمن بالأساس من استحالة أن يعرف المرء حقيقة شريك حياته قبل الزواج، الذي يكشف الكثير من الأمور، والتي بدورها تنقلب وتتغير لاحقاً، ليشوبها الكذب والنفاق والخيانة والغدر، ليعترف من بعدها أن امرأة واحدة كسرت قلبه وهو غير قادر على نسيانها.




خلط البعض بين رأي كفوري في الزواج وبين أغنياته التي تقدّس الحب، وبين أدائه الذي من المفترض أن يعكس رومانسية متأصّلة في شخصيته، جعله يبدو متناقضاً، بل غريباً عما يقدمه من خلال فنّه وأغنياته. إلا أنّ المفارقة التي لم يلحظها منتقدوه كانت جلية كون أن النجم "الرومانسي" لم ينكر الحب أو يشوّه مفهومه، ولم يمسّ بجماليته وعمقه وبقوة تأثيره. بل إن العكس قد يكون هو الصحيح، إذ أن مأخذه الأساسي على الزواج، بحسب معنى كلامه، ينطلق من افتقاده للأحساسيس المتقدّة التي يُسكنها الحب فينا، ما جعله يصف الزواج بالصفات المضادة لكل ما يمثله الحب، وكأنه يخلص للقول بأن الزواج والحب لا يتعايشان، حتى وإن وجد في بدايته، فالأمور الطارئة المتكشفة لاحقاً كفيلة بقتله ووأده.

لا يُلام كفوري إذ ما كان فنّه وأغانيه يجعلون منه إنساناً فوق العادة، يتطلع إليه المجتمع كفلك يسبح في سماء الرومانسية، لكن لا يمكن لأي كان أن يُنكر عليه رأيه الناتج عن خبرته وتجاربه الذاتية. حينها يمكن النظر إلى كلامه من زاوية أكثر إنصافاً وواقعية، إذ أن كلامه ورأيه في الزواج يكاد يكون رأي الغالبية من أهل الفن ومن المجتمع. جُلّ ما في الأمر أن كفوري تحلّى بالجرأة ليدلي برأيه على الملأ، في حين أن المجالس الخاصة، ذكورية كانت أم أنثوية أو حتى مختلطة، يغلب الحديث فيها عن المفاجآت والصدمات التي تتكشف عقب الزواج. ولا يرى الرجال أو النساء على حد سواء غضاضة في التعبير عن ندمهم للدخول في تلك التجربة، وعن الحديث عن مدى التغييرات السلبية التي ظهرت على أحد الشريكين، إن لم يكن على كليهما، ليخلص الحديث إلى التسليم بأن أحدهما قد "أكل الضرب"، في اللحظة التي يعتبر شريكه أنه قد "أكل الضرب" هو أيضاً بالمستوى نفسه، إن لم يكن أكثر.



ربما قد يكون كفوري قد خانه المصطلح وليس التعبير. ففكرة الزواج والمضي في تأسيسها تقوم أولاً وأخيراً على الأشخاص، الذين تتجلى شخصياتهم وقناعاتهم ومبادئهم ومفاهيهم وعواطفهم في تلك العلاقة. وبعيداً من الدخول في تأثيرات الظروف والدوران في لعبة القدر، فإنّ ما يٌبنى على تلك القيم الممزوجة بالنضوج يستمر ويدوم ويصمد، وما يبنى على الارتجال والانتهازية والاعتباطية والمصلحة يتهاوى ويسقط عند اشتداد الريح. وبين هذا النموذج وذاك، ينقسم المجتمع عامودياً، وحيث أنّ هناك من يؤمن بالزواج كمؤسسة ناجحة مستقرة وسعيدة، وهم كُثر، إلا ان الكفة تميل إلى من يلعنون حظهم الذي أوقعهم في فخّ الزوجية، ومشكلاتها التي لا تنتهي. وللطرفين أدلتهم واستناداتهم الكثيرة.

يبقى أنّ كلام كفوري لا يُفترض أن ينغصّ على كل المؤمنين بالزواج والسعداء به، كون تجربتهم لا يفترض أن يزحزحها رأي أو يؤثر فيها كلام، كما أنه لم يأت بجديد من عنده، إذ لا يعدو كلامه أنه أتى ليلقي الضوء على حالة عامة عبّر عنها وأصابها في الصميم، دون لغة منمقة أو حشر في نهج فلسفي أو سوريالي درج أهل الفن على التلطّي بين طياته حين يُسألون عن رأيهم بالحب والزواج.