"عوالم خفية".. تتويجٌ لسقوط مُهرّج النظام

بتول خليل
الأحد   2018/06/10
أقل ما يمكن أن يوصف به عمله الأخير بالمهزلة الحقيقية

أظهر المسلسل الأخير لعادل إمام "عوالم خفية" إصراره على السير بقدميه نحو الهاوية. لا يوقفه عن هذا السقوط نقد أو مراجعة ذاتية. ولا يبدو أنه يلقي بالاً لعشرات المقالات المنشورة في الصحف، والتي أجمعت على تراجع شعبيته، وعلى أن توهّج نجمه قد خفت. مسلسل إثر آخر يراكم الرجل إخفاقاته، ويمضي ليكدّس المزيد منها، دونما رادع، ودون تفعيل أي نقد ذاتي، إذ إن أقل ما يمكن أن يوصف به عمله الأخير بالمهزلة الحقيقية، التي توّجت سلسلة إخفاقاته الدرامية التلفزيونية في السنوات الأخيرة، وهو ما اعتبره البعض نتيجة حتمية لعجز إمام عن مواكبة العصر وانفصاله عن الواقع.

نجومية عادل إمام وماضيه الحافل بالنجاحات المبهرة التي كرسته نجماً، إن كان على الشاشة الكبيرة أوالمسرح أو في شباك التذاكر طيلة عقود من الزمن، لم تشفع له عند منتقديه الذين فنّدوا سلبيات أعماله الأخيرة، التي لا تعدو كونها دراما بلا منطق ولا مصداقية، معتبرين أنّ حقبة نجوميته وتمثيله الناجح، قد أُسدل الستار عليها، وبأنّ تجربته القائمة على تكريس عرض الـ"وان مان شو"، الذي تسخّر فيه كل العناصر في خدمة البطل لتسنده، ساهمت في إسقاطه، خصوصاً وأن عادل إمام في أعماله الدرامية التلفزيونية في السنوات الأخيرة بدا مراهناً بشدة على أنه يريد من المشاهد تصديقه، من دون أن يشمل ذلك أي حدّ أدنى من الاقناع ومن دون أي مراعاة للذائقة الفنية الحديثة والعقل البشري المتمتّع بدرجة عادية من الذكاء والقدرة على التمييز.

فكيف برجل في سنّه أن يقنعنا في عمل تلو الآخر بأنه صاحب المعجزات المتوالية، وإنه في سبعينيات عمره، التي شارفت على الثمانين، ليس في رأسه شعرة بيضاء ويستطيع مقارعة جاكي شان وجايسون ستاتهام، كما ظهر في مسلسل "فرقة ناجي عطالله" مثلاً، وذلك بعد أن بدا إمام متيبّس العضلات، بطيء الحركة، ثقيل اللسان، وهو ما أظهره في أعماله الأخيرة مثل "العراف" و"صاحب السعادة" و"أستاذ ورئيس قسم" و"مأمون وشركاه" و"عفاريت عدلي علام"، بالفاشل إلى درجة الاستفزاز والساعي دون إدراك منه إلى تشويه تاريخه وأعماله التي كانت لها قيمة مضافة، وبسطت أثرها على كامل جغرافيا المنطقة العربية في الماضي.

في عمله الجديد لامس إمام السقوط المدوّي، ما يدفعنا إلى التساؤل عن مدى إلتصاقه بالواقع وإنفصاله عنه، سواء لناحية تقييم نفسه فنياً، أو الاحاطة بتفاصيل واقع الشعب المصري اجتماعياً وسياسياً، بل حتى يمكن الشك في رجاحة عقله. قد يبدو هذا الكلام مبالغاً فيه لمن لا يزال عادل إمام بالنسبة لهم كملك للكوميديا المصرية والمتربّع على عرشها. لكن المتابع لإمام، خصوصاً في أدواره الأخيرة، يستطيع ملاحظة الدرك الذي انحدر إليه.

إمام في "عوالم خفية" يقوم بدور صحافي استقصائي يعمل في صحيفة معارضة للنظام، تخشى قلمه أجهزة الأمن وتهابه السلطة السياسية ويحسبون له ألف حساب. فمقال واحد منه كفيل بهزّ مصر من أقصاها إلى أقصاها وتقوم له الناس ولا تقعد، لتقوده الصدفة إلى النبش والتحقيق في الظروف الغامضة التي أحاطت بوفاة الفنانة مريم رياض، والتي يكشف لاحقاً بأنها تعرضت للقتل كون الظروف أدت بها لمعرفة خفايا قضية فساد كبرى، بطلها وزير في الحكومة المصرية، يدخل السجن إثر كشف إمام تورطه وإدانته.

كلّ هذا المجد للصحافة والقضاء في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي صنفت مصر منذ بداية حكمه بأنها واحدة من أكثر دول العالم فساداً وقمعاً للحريات وتنكيلاً بالصحافة! وهذا ما جعل عادل إمام في موقع العاجز عن إقناع دجاجة بدوره وتمثيله والفكرة القائم عليها عمله، وهو ما كان قد كرره إمام سابقاً عندما قام (وهو أحد أشدّ المدافعين عن النظام) بدور أستاذ يساري يُعرّي السلطة في مسلسل "أستاذ ورئيس قسم"، حيث بدا منفصماً عن ذاته، وغير قادر على إقناعها بدوره، ناهيك عن إقناع الجمهور الذي يريد منه إمام التصديق بأنه هو من قاد ثورة 25 يناير، بينما مواقفه العلنية كلها واضحة وضوح الشمس بالنسبة لمعاداته للثورة واستماتته بالوقوف الى جانب حسني مبارك ودعم نظامه، فضلاً عن تحريضه ضدّ المحتجين والترويج لنظريات المؤامرة والأيادي الخفية التي تحرّك شباب الثورة، والتي اعتبرها مؤامرة لتنفيذ أهداف خارجية معادية ضدّ مصر، ما حدا بشباب الثورة بوصفه بـ"الزعيم الأونطة" و"عدو الثورة".

هذا الأمر جعل من تلك اللحظة محطة مفصلية قضت على شعبية إمام بعد انتشار موجة في مصر والعالم العربي تدعو لمقاطعة أعماله ونبذ أفكاره، فسقط عن عرشه الذي كان يجلس عليه قبل ثورة يناير، خصوصاً مع تراكم مواقفه المتخاذلة حيال العديد من الأحداث الوطنية في مصر وخارجها، واقتران اسمه بالانتهازية، والوقوف إلى جانب السلطة وتطوعه بأن يكون بوقاً لها، ما ظهر في كثير من أعماله حيث بدا ملمعاً لصورة النظام، ومدافعاً شرساً عن حسني مبارك سابقاً وعن عبد الفتاح السيسي حالياً.

وكأنّ كل هذا السقوط الأخلاقي والسياسي لم يكفه، فبدل أنّ يلجأ إلى الفن كركن منيع يستطيع من خلاله تقديم أعمال ترقى إلى مستوى الأحداث الراهنة التي تعصف بمصر والعالم العربي وتعالج همومها ومشاكلها، بأسلوب يستطيع الارتقاء من خلاله مجدداً ويقوده إلى نهاية فنية لائقة بمشواره التاريخي، اختار إمام التركيز على أعمال تكرّس عظمته، وتظهره كنجمٍ متفرّد وبطلٍ من مستوى لا يُضاهى، دون أي حساب للقدرات والاقناع وللماهية والنوعية والقيمة الفنية والمستوى الناجح، الذي لم يعد بمتناول إمام بلوغه والوصول إليه من جديد بعدما تهاوى من مرتبة الزعيم إلى مهرّج النظام.