OTV تحترف الكراهية والتضليل:إلى متى يحتكّ تلامذتنا بالسوريين؟

نذير رضا
الخميس   2018/03/22
لم يقل اذا كان اندماج لبناني ونازح يعد خطيئة؟
لا يمكن اعتبار التقرير الذي نشرته قناة "او تي في" عن النازحين السوريين يوم الاثنين الماضي، إلا تحريضاً ضد تعليمهم، والدفع نحو التسرب الدراسي لأكثر من 158ألف طالب سوري، بذريعة "الخوف" من منافسة اللبناني في المدرسة قبل سوق العمل، وبحجة "مستوى" الطالب السوري و"خلفيته الثقافية والاجتماعية" التي "تُقلق بعض الأهل" إذا احتك التلميذ السوري بقرينه اللبناني. 
لكن التقرير المقزز، لناحية بدئه بصورة طفل ينتعل "مشاية"، والتركيز عليها مرتين خلال التقرير، يبدو متناقضاً، ولا يخدم سياسة الدولة اللبنانية التي تتسلم مساعدات وميزانيات من دول العالم بحجة النازحين، وتطالب بالمزيد لقاء "رعايتهم" كـ"دولة مضيفة"، وهي استراتيجية "الابتزاز السياسي" نفسها التي وفرت مظلة استقرار أمنية داخلية، ومنعت لبنان من الانحدار الى الإفلاس، كما اليونان، حسبما ذكرت مجلة "بلومبيرغ" مطلع الشهر الحالي. 

بات مُسلَّماً بخطاب الكراهية، في أحقر أشكاله، تجاه النازحين السوريين، من قبل القناة البرتقالية خصوصاً، مع غيرها من وسائل الإعلام التي تضرب على وتر التخويف من النازح. لكن التقرير هنا، لا يستند الى أي أدلة علمية، وينطوي على تناقض يقوده الى التفاهة السياسية والاقتصادية في مكان آخر. ذلك أن الانحدار إلى التحريض ضد تعليم النازحين، ينطوي على خسائر لبنانية لا تظهر في "أعباء" النزوح السوري بقدر ما تمهّد أرضية لتدهور أمني داخلي، في حال التخلي عن تعليمه، لأن جيلاً لا يمضي أيامه على مقاعد الدراسة، سيمضيها في الشارع، ولاحقاً سيكون استقطابه من التنظيمات الإرهابية أسهل. 

لا تخفي القناة أن دعم "اليونيسيف" والاتحاد الأوروبي ودول أخرى مانحة، بالتعاون وزارة التربية، يوفر تمويلاً بقيمة 600 دولار عن كل طالب من الـ158 ألف طالب سوري. هذه الحقيقة وحدها - ومن دون احتساب البقية - كفيلة بتأمين 95 مليون دولار لسوق العمل اللبناني سنوياً، ستكون جزءاً من دخل مالي لآلاف الأساتذة، ما ينشط الدورة الاقتصادية. وعليه، فإن هذا الدعم المالي لن يكون عبئاً على الاقتصاد اللبناني، كما توحي القناة، ولن يكون عبئاً على البنية التحتية حيث تكفلت الدول المانحة بتنمية المجتمعات المضيفة لهم. 

وإذا كانت حجة القناة أن هؤلاء يأخذون أماكن الطلاب اللبنانيين في المدارس الرسمية، كما قالت، فإنها ناقضت نفسها في الموقع نفسه، حين أكدت أن 259 مدرسة تطبق نظام التعليم المزدوج (دوام بعد الظهر)، ما ينفي أي حجة بأن هؤلاء يأخذون أماكن الطلاب اللبنانيين. 
وليكن معلوماً ان السوريين، أو القسم الأكبر منهم، باتوا مستائين من نظام التعليم بعد الظهر إذ لا يقدم نصف المنهج التربوي الذي يُقدم في فترة التعليم قبل الظهر، ويفتقد في مواقع كثيرة للجدية في التعاطي معهم لتعليمهم. وهذا واقع يعرفه مندوبو الجمعيات والمنظمات الدولية، الذين يرصدون هذا التململ، وهو ما ألزم الكثير من السوريين البحث عن "واسطة" لإدراج أطفالهم في دوام ما قبل الظهر، أو لدفع تكاليف مدارس خاصة بحثاً عن "مستوى تعليمي أفضل". 

بل أن التقرير يُغفل حقيقة أن 178 مدرسة رسمية تأهلت، على حساب النازحين (أي المساعدات التي تأتي باسمهم)، من أجل أن تتمكن من استقبال الطلاب بعد الظهر.. لكن التقرير يقول: "المباني مرهقة"!

وُيعدّ تحميل النازحين السوريين، وزر الفساد المستشري في قطاع التربية اللبنانية، وقاحة بالغة. ومن الأفضل السؤال ههنا عن الضغوط التي تُمارس على الحكومة اللبنانية، من قوى فاعلة، لدعم القطاع التربوي الموازي، أي المدارس الخاصة العائدة بإداراتها و/أو ملكيتاها إلى مؤسسات سياسية ودينية (من كل الفئات) وأحياناً إلى عائلات فاعلة في الوسط السياسي. وتتقاضى هذه المؤسسات، الى جانب المنح المخصصة لموظفي القطاع العام لتعليم أولادهم في المدارس الخاصة، عائدات من وزارات التربية والشؤون الاجتماعية والشباب والرياضة، لقاء تحملها الدور المكمّل لجهود التعليم الرسمي في لبنان. 

هذه الضغوط أنهت دور المدرسة الرسمية أو كادت تنهيه، وأفقدت اللبناني ثقته في القطاع التعليمي الرسمي، فأقفلت مدارس بحجة عدم وجود عدد كاف من الطلاب، وبالتالي من الطبيعي أن تتحول صفوفها الفارغة لتعليم النازحين السوريين.

وحين يُسأل في التقرير عن سوء إدارة المال المخصص للتعليم النازحين، بالاستناد الى تقرير "هيومن رايتس ووتش" الذي تحدث عن مبالغ مفقودة كانت مخصصة لتغطية وتعليم الأطفال،  فإن الإجابة يجب أن تُحال الى القناة نفسها، التي أشارت في إحدى مقدماتها الإخبارية إلى "سارق أموال النازحين"، من غير أن تسميه، ذلك أنها تعرفه ولا يعرفه اللبنانيون الآخرون. ولم يُعرف حتى الآن ما إذا كانت هذه الإشارة في نشرة الأخبار الشهيرة قد تحولت الى إخبار إلى النيابة العامة اللبنانية، للتحقيق في الملف المزعوم، بغرض محاربة الفساد وزيادة الشفافية. 

وبعد... 

في زمن الصوم، لا تُنسى صورة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في العام الماضي حين كان يغسل أقدام السجناء في سجن روميه. ولا تُنسى الصورة الأشهر للبابا فرنسيس حين استقبل شخصاً يعاني تشوهاً خُلقياً واحتضنه في مشهد بالغ التأثير. هذه الصور التي تنم عن الإيمان المطلق، والتواضع، وتنشر قيم التسامح والانحياز الإنساني للضعفاء، لم يتذكرها مُعدّ التقرير الذي استهله بصورة نازح فقير ربما، لا يملك ثمن حذاء ينتعله الى صفه الدراسي. 

والأبشع، أن التقرير، بعد هذه الصُور، يتحدث عن سحب الأهل لأولادهم من المدارس الرسمية لاعتبارات خاصة. كان في ذلك إيحاء بـ"طبقية" يحاول معد التقرير الترويج لها، والتمييز بين البشر. ولم يتردد في الحديث عن "خطر الاندماج في المدارس"! ولم نفهم: هل اندماج النازح في المجتمع اللبناني خطيئة؟ أليس هذا ما تطمح إليه أي دولة تستضيف نازحين في أي مكان في العالم؟ 

بالتأكيد، لم يقرأ معد التقرير عن استراتيجية "المصهر الاجتماعي" التي طرحها الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، مطلع التسعينيات. ولم يعرف عن استراتيجية "الاندماج الاجتماعي" التي تنفذها الإدارة الأميركية الآن لمحاربة "التطرف العنيف".. وبالتأكيد لم يبحث عن قواعد الاندماج التي وضعتها دول أوروبية لإلغاء الفوارق وإدخال المهاجرين في سيستم البلاد. في نظره، بعض النخب اللبنانية "أرقى" من أن تندمج، ويتحدث عن فوارق اجتماعية، بالصورة، متناسياً أن هؤلاء البسطاء والريفيين، يتشابهون مع ريفيين لبنانيين.. ويتناسى أن عرقلة تمدنهم، يتحمل مسؤوليته النظام السوري، حليف حليف التيار البرتقالي، كما أن المسؤول عن النزوح هو النظام نفسه. 

من هذا المنطلق، لا يظهر التقرير الا "سذاجة" سياسية. أما التخويف من النازحين، والمطالبة بعودتهم، فلا يُعبّر الا عن فوضى في المقاربات السياسية لملف النزوح التي لا يُخفى أن الصراع على ملف عودتهم، ينطلق من ثلاث أجندات مختلفة الاهداف: الأولى يقودها حلفاء النظام لتخفيف وطأة الملف عنه، وتسجيل مكسب سياسي له بوصفه "دولة تعيد احتضان شعبه وليست هناك ثورة ومعارضة في سوريا". والثانية يقودها "تيار المستقبل"، خوفاً على المعارضين ولإبقاء الملف خارج إطار المكاسب للنظام. والثالثة يقودها "التيار الوطني الحر" وآخرون، تخويفاً من توطين النازحين، وهو ما لم يتحقق مع الفلسطينيين الذين لم يدخلوا سوق العمل اللبناني، رغم أنهم يحملون شهادات تعليمية تؤهلهم لذلك.