أبو علي باسيل

نذير رضا
الثلاثاء   2018/10/02
رد نتنياهو عليه دليل نجاح الدبلوماسية اللبنانية (علي علوش)
لم يحظَ وزير الخارجية جبران باسيل بإجماع شعبي لبناني على مهمة أنجزها، كما هو الحال في الجولة الأخيرة التي نظمها للدبلوماسيين المعتمدين في لبنان الى مواقع ادعت اسرائيل انها مخازن أسلحة لحزب الله قرب مطار بيروت. 
ولم يُوصف باسيل، منذ دخوله المشهد السياسي، بـ"البطل" و"الشجاع" و"المقاوم" و"الوزير القوي"، قبل أن ينجز الجولة الميدانية. قبل ذلك، بقيت صورته الإعلامية عالقة بين ساعٍ إلى استعادة دور المسيحيين، أو مناهض لقانون منح الأم اللبنانية جنسيتها لأولادها، أو مُبالِغ في المطالب الحكومية، أو حتى مُعرقِل لتأليف الحكومة... وفي ما بعد جولته الأخيرة، ألغيت الاتهامات على المستوى الشعبي. شدّ العصب اللبناني، ونصّب نفسه "مقاوماً دبلوماسياً"، كما وُصف في مواقع التواصل الاجتماعي، ليل الإثنين، ونال اللقب الجديد، انطلاقاً من مهمته كوزير افتتح عهد "الدبلوماسية الميدانية"، بحسب قناة "أو تي في" في مقدمتها الاخبارية ليل الاثنين. 

والجولة، تتخطى في الشكل، المهام المعتادة لوزير الخارجية. المبادرة مرتبطة حصراً بشخصية الوزير القائم بها. أثبتت تجربته السياسية، في الداخل اللبناني على الأقل، أنه يتمتع بقدرة على التحدي. مارس التحدي في أكثر من موقع، داخلياً حينما دخل في مناكفات مع أركان النظام نفسه، وخارجياً حينما تأخر في استقبال وزير الخارجية الأميركي السابق، أو أثناء جولته الأوروبية قبل عام إثر استقالة الرئيس سعد الحريري المفاجئة من الحكومة. وهي قدرة أكسبته شعبياً الى حد كبير، وحظي على إثرها بصفة "العناد السياسي"، وصبت نتائجها مباشرة في شعبيته، في الساحة المسيحية على الأقل. 

وفي الموضوع الاسرائيلي اليوم، يمارس باسيل الاستراتيجية نفسها. يقارع الدولة الأقوى في المنطقة، دبلوماسياً. الفارق بين المواجهات التي يخوضها باسيل في الداخل، أو تلك المواجهة الاعلامية – الدبلوماسية مع اسرائيل، أن الأولى تترك مجالاً للنقد، وللهجوم من أطراف سياسية لبنانية عليه، وهي مادة خصبة للانقسام. أما المواجهة مع اسرائيل، فلا تترك مجالاً لانتقاده، وتلغي الانقسامات (المعلنة)، طالما أن المواجهة تُخاض ضد اسرائيل، العدو الرسمي للبنان. وهو ما يفسر ندرة المنتقدين له على الصعيد الشعبي في مواقع التواصل، أو على الصعيد السياسي. 

فالمواجهة مع اسرائيل رابحة سلفاً، على الصعيد الداخلي والشعبي، ولا يمكن إغفال أن أي مواجهة مع اسرائيل، كائناً من يكون المبادر اليها، رابحة شعبياً، حتى حزب الله نفسه الذي يُعدّ مادة انقسام بين اللبنانيين، يستطيع أن يجمع الرأي العام حوله، في أي مواجهة محتملة، ولو كانت عسكرية... وإن سُمع شجب، فبِخَفر. 

من هذا المنطلق، حشد باسيل السفراء لإظهار كذب المزاعم الإسرائيلية، ولاحتواء أي حرب محتملة على لبنان. ما قام به رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو من منبر الأمم المتحدة، هو جهد دعائي يتخطى الوقائع التي تعرفها اسرائيل، بلا شك، حول مواقع صواريخ محتملة للحزب في مناطق هي على الأرجح خارج بيروت، وكانت قد تحدثت في السابق عن منشآت لترسانات عسكرية في الجنوب. وما قام به باسيل، هو رد بالتكتيك نفسه، استدعى رداً من نتنياهو، وهي نقطة قوة تُسجل للبنان في المواجهة الدبلوماسية. 

أما في السياسة، فإن الجولة تلغي احتمال الحرب. فهي تتضمن رسالة تطمين للبعثات الدبلوماسية المعتمدة في بيروت، بأن لبنان لن يبادر اليها، بدليل انكشاف الحقائق القائلة بأن ما زعمته اسرائيل غير واقعي. رسالة تُضاف الى تصريحات الرئيس ميشال عون الأخيرة، وتعهد فيها بأن لبنان لن يبادر الى حرب ما لم تبادر إليها اسرائيل نفسها، كما تُضاف الى تصريحات الامين العام لحزب الله حسن نصر الله، والتي تشير في المضمون الى أن ما يمتلكه الحزب من "صواريخ دقيقة" هو سلاح ردعي، وليس سلاحاً للمبادرة الى مواجهة.

الأطراف المعنية إذن، تسعى إلى تثبيت الاستقرار الحدودي والالتزام بالقرار 1701. وهي رسالة أخرى بأن لبنان لا يمتلك ما تدعيه اسرائيل اعلامياً ودبلوماسياً، والرد عليها جاء بالمقاربة نفسها.