المنتخب السوري.. ما يدركه المعارضون سلفاً

وليد بركسية
الخميس   2017/09/07
لم يكن ظهور المنتخب السوري "الذي يمثل كل السوريين" على شاشة قناة "سما" الموالية للنظام، وعبارات الشكر والثناء والتملق التي وجهها اللاعبون للرئيس السوري بشار الأسد و"القيادة الحكيمة" مفاجئاً، لجمهور السوريين المعارضين على الأقل، الذين وقفوا بحزم ضد فكرة تشجيع المنتخب نفسه منذ الضجة الواسعة، غير المبررة، لاقترابه من التأهل لأول مرة إلى نهائيات كأس العالم، لا من منطلق عصابي متشنج بحت يكره كل ما يمت للنظام بصلة، ولو لم يكن سياسياً، بل لمعرفة عميقة بالنظام نفسه وفلسفته الاستغلالية لأبسط تفاصيل الحياة من أجل تلميع صورته وبناء البروباغندا الخاصة به.


وفيما أخذ الجدال المحتدم بين الموالين والمعارضين طوال الأسبوع الجاري، حول ضرورة تشجيع المنتخب من عدمها، شكلاً وضيعاً من السباب والشتائم وتبادل التخوين، أظهر المشهد ما تعنيه الحياة في سوريا في ظل نظام الأسد الذي ضمن بقاءه في السلطة وتكريسه منذ عقود للدولة الشمولية، وهو واقع بشع ثار ضده المعارضون من أجل تغييره إلى الديموقراطية، بينما مازال الموالون ينظرون إليه بشيء من القصور أو الإنكار لاعتبارات مختلفة، اقتصادية واجتماعية وأمنية، ومؤمنين، على أفضل تقدير، بفكرة رومانسية تفيد بأن النظام نفسه قابل للإصلاح مع نهاية الحرب.

وفي حالة المنتخب السوري، استغل النظام بسرعة المشهد في اللقاء الإعلامي لتمرير رسائل "النصر" السياسية والعسكرية، إلى جانب "الانتصار الرياضي" الذي بات انتصاراً لسوريا الأسد، وليس لسوريا المجردة عن أي صفة أخرى. ويتخطى الأمر هنا مسألة "سرقة النظام للفرح" وغيرها من العبارات السطحية التي غمرت السوشيال ميديا، ضمن أجواء الاستياء من المقابلة، التي امتدت إلى الموالين للنظام بشكل محدود، لأنها تشكل انتهاكاً للمبدأ الذي جمع كثيراً من السوريين "الرومانسيين" من الجانبين على تشجيع منتخب واحد يضم لاعبين "معارضين"، والذي ينص على "فصل الرياضة عن السياسة" المستلهم من مبدأ العلمانية الأشهر "فصل الدين عن الدولة".


وبالتالي كان الإحباط السائد آتياً من شعور سابق حطمته المقابلة وهو الأمل النوستالجي بعودة الحياة السورية إلى طبيعتها، والذي يأتي بدوره من تورط عاطفي أعمق بالانتماء للوطن، والذي يكمن فيه الشرخ الأكبر ضمن المجتمع السوري اليوم، ويمكن تلخيصه بالتساؤل عن معنى الانتماء للبلاد الممزقة بفعل الحرب الطويلة، إلى جانب الحقيقة الصارخة بأن الدولة التي عرفت في يوم ما باسم سوريا توقفت بالفعل عن الوجود، مع وجود أطراف خارجية متعددة فاعلة في إدارة البلاد وصناعة قراراتها السياسية، ومع عدم وجود أي مبادرات لتحقيق تقارب بين وجهات النظر المختلفة التي تشكلت بعد الثورة في البلاد، باستثناء المصالحات التي يروج لها النظام لإعادة المعارضين المدجنين إلى الإقطاعية الأسدية، كحالة لاعبي المنتخب عمر السومة وفراس الخطيب، وهي مشكلة لن يتم حلها في المستقبل القريب حتى لو انتهت الحرب من دون حل سياسي حقيقي يعيد إلى كثير من "السوريين" ذلك الشعور المفقود بالمواطنة والانتماء.

ومن المثير أن الانتماء كشعور يتعاظم بشدة في الأحداث الرياضية بسبب الزخم الرمزي المرافق، وبالتالي، لا يمكن محاكمة الموالين والمعارضين على الأمل والإحباط والحماس والانتماء، فكل تلك الكلمات هي مشاعر تفتقد للمنطق الذي عبر عنه المعارضون الأكثر راديكالية منذ انطلاق الجدال حول تشجيع المنتخب قبل أسبوع، ورفضوا الانتماء إليه، من واقع إدراكهم منذ العام 2011 أن لا جدوى من الانسياق وراء "إصلاح النظام" لأنه يقوم على مبادئ فكرية "أبدية" تجتر نفسها من دون أي هامش للتطور، وهو ما برز في المقابلة مع لاعبي المنتخب، والتي تشبه آلاف المقابلات التي يبثها الإعلام السوري لحشد العواطف الوطنية حوله في أي مناسبة مشابهة.

أتى ذلك بعد لقاء "سما" مع لاعبي المنتخب المتأهل للملحق الأسيوي حيث تفصله مبارتان فقط ضد المنتخب الأسترالي للوصول إلى نهائيات كأس العام في روسيا العام المقبل، بما في ذلك اللاعبان المعارضان فراس الخطيب وعمر السومة، الذين شكل لعبهما مع المنتخب في المقام الأول صدمة للمعارضين قبل التصريحات التي تنكرا فيها لمبادئهما السياسية - الأخلاقية التي ساهمت في صناعة شهرتهما الرياضية، فيما امتنع اللاعب عمر خربين عن اللقاء "لأسباب شخصية" فسرها المعلقون عبر السوشيال بميديا بالرغبة في تجنب أي انتقادات على غرار موقفه الرمادي من الثورة السورية وابتعاده عن السجال الطويل بين الموالاة والمعارضة في البلاد.