أدوات الاعلام المصري: الحماقة لا تكسب معركة

أحمد ندا
الجمعة   2017/03/24
متابعة احمد موسى تهدف لفهم طبيعة علاقتها مع المتغيرات السياسية الحدثية
بات من المعلوم بالضرورة أن متابعة ما يقدمه أحمد موسى في مونولوجه اليومي، ليس من قبيل مواكبة الإعلام المصري ومستويات انحداره فحسب، بل لمعرفة الوجهة التي تتوجه إليها الدولة، وفهم طبيعة علاقتها مع المتغيرات السياسية الحدثية، والأهم أنه باب من أبواب "تصفية خصومها" بالطريقة التي ترتضيها، أي باستعادة كل عُدة المؤامرة والمكائد المفترضة ضد النظام، وبالتالي ضد البلد.

لذلك، فإن كل زوبعة يثيرها أحمد موسى في برنامجه "على مسؤوليتي"، ليس لأنه صوت قادر على إحداث تغيير، أو لأنه إعلامي كما تعنيه الكلمة من مفاهيم مهنية وأخلاقية، بقدر ما هو جسر بين وجهة نظر أحادية وهدف ذي مقصد محدد. الجسر الذي يفقد تأثيره الجماهيري بمرور الأيام شيئاً فشيئاً، لأنه ببساطة يقدم نفس الخلطة العصابية والصراخ والتهديد والوعيد كما هو منذ أربع سنوات، حتى ضج الناس وانصرفت عن متابعته. كذلك بدأ بعض الذين يوجه إليهم سهام دولته بالتزام الصمت والتجاهل لتموت معاركه الوهمية قبل أن تشتعل.

لكن الأسبوع الماضي، اتسعت واحدة من معاركه اليومية، لا بسبب وضاعتها –وهو الأمر المعتاد- بقدر التزام طرف الخصومة الآخر بالردّ عليه، وهو مؤسسة دويتش فيله الألمانية.. فيوم الاثنين الماضي وصف أحمد موسى، قناة "دوتشيه فيله" الألمانية بأنها الوجه القبيح لقناة "الجزيرة"، وأن سياستها تعادي الدولة المصرية وثورة 30 يونيو وأنها حاليًا المنصة للهجوم على الدولة بعد أن أصبحت "الجزيرة" قناة لا يراها أحد. 

لم يكتف بذلك بل بالغ وقال إن القناة الألمانية رصدت 250 مليون يورو لاقتحام الإعلام المصري، مشيرًا إلى أنها تستقطب طلاب الجامعات للتدريب في ألمانيا والعمل ضد مصر وأنها لجأت إلى قنوات "صدى البلد" لاستقطابها، ولكن تم إلغاء البروتوكول بعد اكتشاف توجهاتها، وأنها استعاضت عن ذلك بالتعاقد مع مجموعة تنتمي للإخوان المسلمين لإدارة منظومتها الإعلامية فى مصر. 

واتهم مؤسسة دوتشيه فيليه بأنها تجري فحوصا أمنية على كل العاملين والضيوف بها، لافتًا إلى أنها تمنح جوائزها للمعادين لثورة 30 يونيو والشعب المصري.. وقال مهدداً في ختام فقرته "أي حد هيتعاون مع القناة هفضحه.. وإحنا مش على رأسنا بطحة".

هذه المرة، معركة أحمد موسى لم تبدأ منه هو، بل سبقته إليها جريدة وموقع "اليوم السابع"، في "تحقيق موسع" عن مخصصات القناة للمؤامرة على مصر، وربطت أجندتها بالتاريخ النازي بألمانيا بل إنهم أطلقوا عليها "ميديا هتلر 2017"! 

الاتهامات الكثيفة التي أطلقها موسى ومن قبله اليوم السابع استدعت ردا من من مدير المؤسسة بيتر ليمبورغ في بيان رسمي، قال فيه "إن المقارنة بالنازية في أصلها مقارنة غبية، وهي في هذا الموضوع بالذات سخيفة، مثلها مثل بقية القصص المختلقة. دوتشيه فيليه تعمل باستقلالية وتتمتع بمصداقية كبيرة في أنحاء العالم. علاوة على ذلك، فإن قسمنا العربي يعمل من أجل قرائه ومشاهديه في مصر وبالتأكيد ليس ضد هذا البلد".

ربما لو لم ترد المؤسسة الألمانية على اتهامات أحمد موسى بشكل رسمي لمرت زوبعته تلك كما مر العشرات غيرها، دون أثر يذكر، لكن الاتهام بالنازية والتمويل الخفيّ ليست من الأمور التي تفوّتها مؤسسة بحجم المؤسسة الالمانية، ولا يمكن أن تتجاهلها مهما كانت وضاعة مصدرها وعدم مصداقيته، كما أنه من أكثر الاتهامات حساسية في السياسة الألمانية، ما استدعى ردا رسميا من السفارة الألمانية في القاهرة على لسان سفيرها يوليوس جيورج لوي على الاتهامات التي اعتبرها سخيفة ومبتذلة وتأتي بعد زيارة ناجحة للمستشارة الألمانية إلى مصر قبل ثلاثة أسابيع.

ليس خافياً على متابع لمجريات الإعلام المصري أن هجوم إعلام الدولة الموجه على يد موسى واليوم السابع سببه الواضح هو برنامج يسري فودة "السلطة الخامسة" وما يلقاه من مستويات مشاهدة ترتفع يوما بعد يوم، وهو الأمر المنطقي في ظل الفوضى الإعلامية في مصر وغلبة الصوت الواحد ومونولوجات البرامج الحوارية اليومية بصراخها وتوجيهاتها المباشرة وتشابهها الصارخ. 

تأتي عودة يسري فودة إلى الشاشة بمثابة ضربة موجهة لهؤلاء الذين ضيقوا عليه وعلى أمثاله (ريم ماجد وباسم يوسف وليليان داوود) كل فرصة لتقديم مادة إعلامية مختلفة في مصر.

الواقع أن هذا الهجوم على القناة بوجه عام، لا يطال يسري فودة وحده، بل يهدف لإثارة الرعب في نفوس هؤلاء الذين يعملون في القناة بمصر، وتضييق الخناق عليهم، بعد أن صار المنهج الحالي لمحاصرة الإعلام هو خنق الإعلاميين والصحافيين أنفسهم وغلق أي باب للعمل في جهات تملك وجهة نظرة مغايرة.

لعل رد يسري فودة على الهجمة هو الأنسب لمثل هذه المعركة الوهمية؛ فقد كتب على صفحته في فايسبوك: "وهو الواحد مننا محتاج إيه أكتر من أن حد معرص يشتمه من وقت للتاني عشان يتأكد أنه ماشي صح؟".

في ذلك الإعلام أحادي الخلية منزوع المهنية، هل يمكن أن يفكر كنوع من التحرك الاستراتيجي بتغير أدواته، وأن يطورها قليلا بعيدا من حكاية المؤامرة على البلد، التي فقدت الكثير من تأثيرها على الواقع اليومي، أو على الأقل أن يجد حبكة جديدة لفكرة المؤامرة، بدلا من تكرار السيناريو المعمول به منذ ثورة يناير 2011، فالحماقة لا تُكسب معركة.