كليشيهات التضامن مع فلسطين: كأنها أبدية.. مثل الصراع

أحمد ندا
الجمعة   2017/12/08
"نيران الغضب قادمة من كل مكان، القدس عروس عروبتنا، وإذا فرّطنا فيها، فرّطنا في شرفنا وكرامتنا. القرار الأميركي لن يمر إلا على جثثنا".
جمعت تغريدة الصحافي المصري مصطفى بكري، بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل السفارة إلى القدس اعترافاً بها عاصمةً لإسرائيل، كل كليشيهات القضية الفلسطينية ومشكلاتها الخطابية. هذه الشعارات التي يجري تردادها منذ عشرات السنين، مراوحة بين الحزن الملحمي في أغنية "زهرة المدائن"، إلى الغضب الملحمي في قصيدة مظفر النواب الشهيرة "القدس عروس عروبتكم"، وما بينهما من قصائد لمحمود درويش ومعين بسيسو وتميم البرغوثي وسميح القاسم. 

هو منتج فني وأدبي أعيد إنتاجه مراراً وتكراراً، وبات جزءاً من مقولات أكثر ملحمية فيما يستبطن علاقة "أبدية" وأبوكاليبسية للصراع، بالقول الشائع: "سوف نرمي إسرائيل في البحر". 

ثار "العرب"، تحت هاشتاغات #القدس_عربية، و#القدس_عاصمة_فلسطين و#القدس، وفيها إعادة إنتاج خطابي لكل ما يتعلق بالقضية. انبرت المواقع والصحف العربية لتغطية السيل التغريدي تحت هذه الوسوم، باعتبارها غضباً افتراضياً على قرار واقعي. والحال إن التغريدات بلغت من كثافتها أن صارت خبراً رئيسياً في المواقع والصحف والشاشات الأوروبية والأميركية. حتى الأمين المساعد لجامعة الدول العربية، لم يجد بين يديه أكثر من دعوة جماهير "تويتر" إلى تكثيف التغريد، قائلاً: "في ضوء التطورات المؤسفة.. أدعو الأصدقاء لتناول الهاشتاغ بشكل مكثف". 

الغضب مفهوم، ورد الفعل الشعبي، مدفوعاً بعاطفة في اتجاه واحد يتناغم مع المراكز الخطابية الصلبة في الذهنية العربية. لكن أيضاً لم يتمهل أحد ولو قليلاً للوقوف على تداعيات القرار الأميركي ورداءة المواقف الرسمية العربية. 

كيف "تلوثت" هذه القضية بانحيازات تيارات الممانعة المؤيدة لمجرم مثل بشار الأسد؟ كيف تحولت مركزية القضية إلى هوس شعاراتي لا أكثر، لا سيما بعد إجهاض "الربيع العربي" في كل دوله، وعودة الشراسة في قمع الشعوب غير القادرة على اتخاذ قراراتها. والأهم، كيف احتفى قادة الدول الأكثر تأثيراً في المنطقة العربية بصعود ترامب، ثم الصمت التام بعد تحالفات مشبوهة.

لم يمتلك الإعلاميون شجاعة توجيه الاتهام إلى المجرمين الحقيقيين. عمرو أديب اكتفى بمهاجمة ترامب -بنعومة- فيما كان موسى أكثر تعميماً وفجاجة: "العرب آخرهم مظاهرات وحرق علم أميركا وإسرائيل، ثم كل واحد بيروح ينام في بيته". اما لميس الحديدي فقالت، بعقلانية مفتعلة، إن قرار ترامب "خاطئ"... لم يجرؤ أحد على الكلام، ولا على طرح الأسئلة الصحيحة.

وتعلق الرأي العام الغاضب بردود الأفعال العالمية، وذلك بغرض إضفاء شرعية على الثورة الافتراضية، بدءاً من الاستناد الى تصريح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، وصولاً إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. 

سيخبو الغضب سريعاً، ويتعايش الجميع مع الأمر الواقع الجديد. سيعود الممانعون إلى براميلهم وتأييدهم لجرائم بشار واستخدام القضية بالبُنية الخطابية نفسها التي يستخدمها الإسلاميون لإضفاء الثقل التاريخي على مواقفهم السياسية. وستغيب الهاشتاغات في النسيان مجدداً، حتى تصير السفارة واقعاً، لا مجرد قرار، لتصحو التغريدات، والتغريدات فقط ولا شيء آخر.