ساندي تابت فضيحتنا

لميس فرحات
الجمعة   2016/10/28
اللبناني منهار. فاض به الكيل. كانت الحياة هنيئة والبلد بألف خير وكل الحقوق في جيبه. يعود من وظيفته ذات الراتب الكريم إلى منزله ذي الخدمات المؤمنة 24/24، ليجد أن ملكة جمال لبنان هي ساندي تابت!
هل يعقل؟ كيف تجرؤ هذه الشابة على تعكير صفو الحياة اللبنانية بكل ميزاتها؟ إنها النقطة السوداء في صفحة معيشة ناصعة ومتلألئة.

ساندي تابت رُجمت لعدم مطابقتها معايير الجمال اللبناني، فيما نصف سيدات وشابات وطننا سيليكونيات، بشفاه ممتلئة وصدور عارمة وأنوف ميكروسكوبية وحاجبين مُلصَقَين. شريحة كبيرة من نساء الجمهورية الكريمة أشبه بقبيلة مستنسخة من فنانة واحدة، رفضت نتيجة المسابقة بحجة أنهن أجمل. 

معايير الجمال في وطننا صارت فضفاضة ولزجة لدرجة أن الطبيعي ما عاد مقبولاً، بل ومرفوضاً لأنه لا يطابق السائد من التضاريس المشدودة والمنفوخة والمكورة. 

الجمال ليس الاعتراض الوحيد. فاللبناني الفذ انتقد إجابات مشتركات برنامج جمالي يتطلب معايير جسدية معينة كشرط واضح لدخول المسابقة، ويتم تقييمهن بداية على أساس هذه المعايير وليس بحسب الأسئلة الموجهة لهن. وفي ذلك ظلم أو على الأقل سوء تقدير من قبل المشاهد أو الناقد. 

فالفتاة ستضع تاجاً على رأسها، يؤهلها للمشاركة في مسابقات جمالية أخرى على صعيد جغرافي أوسع، وليس للدخول في مسابقات علمية ولا شعر مقفى أو "من سيربح المليون".

ثم ماذا عن الأسئلة؟ كيف ننتقد شابات بالكاد بلغن الخامسة والعشرين، لعدم قدرتهن على الإجابة عن أسئلة عجزت حكومات متعاقبة ومحاولات مدنية عديدة لسنوات، عن العثور على إجابات وحلول لها، مثل الكهرباء والنفايات وتفعيل السياحة؟

ما السر وراء هذه الأسئلة التي لا طائل منها سوى التأكيد على حال الشلل الذي أصاب لبنان، في مسابقة جمالية بعد أخرى؟ كل سنة تتغير المتباريات وتبقى أسئلة الزواج المدني، والفراغ الرئاسي وتراجع السياحة وتدهور الأمن.

أهي مسؤولية فتيات جميلات تتنافسن على لقب جمالي؟ لماذا لا تقام مسابقة "وزير العام" أو "صاحب الكف النظيف" أو "الحكومة الأكثر فعالية" أو "النائب الأكثر تمثيلاً"؟ 

عندها يمكن أن نسألهم عن الحلول والاقتراحات وننتقد إجاباتهم وإنجازاتهم، وسيكون النقد في محله على الأقل.  

كيف نتوقع من ملكة جمال لبنان أن تتحدث عن دور لبنان وموقعه عبر العصور، ونحن عاجزون منذ سنوات عن تغيير أو تعديل كتاب التاريخ المدرسي لخلافات حزبية وطائفية؟ 

كيف نلوم لغتهن العربية المكسّرة ونحن نتحدث لغات أجنبية في يومياتنا، وأطفالنا يكرهون لغتهم الأم، ونوزع إفادات نجاح "بالجملة والمفرق" ونلغي مواد وفصولاً مدرسية من المنهج التعليمي بجرّة قلم؟

نتحلق، نحن اللبنانيين أصحاب الذوق الرفيع والمعايير العالية، في منازلنا حول التلفزيون لمتابعة حفلة "ملكة جمال لبنان" التي ما كنا لنشاهدها لولا "كهرباء المولّد"، أو ننتظر ساعات وساعات لنشاهد بضع دقائق عبر الانترنت ذي السرعة الحلزونية لننتقد إجابة فتاة تريد تاجاً، ببساطة. ونستنفر غير راضين عن النتيجة في حين أن حقوقنا الأساسية وأبسطها لا نجرؤ أو ما عدنا نكترث بمن يسرقها. 

ملكة جمال لبنان – على الرغم من أنها تقتصر على الشكل الخارجي - قد تكون أصدق وأكثر عدلاً من مئات العمليات الانتخابية والتعيينات في الدولة اللبنانية الكريمة. لكن لا! اللبناني يثور غضباً لأن فتاة أخرى كانت أحق بالتاج وليس لأن رئيس دولته غائب منذ سنين.

اللبناني يرفض رفضاً قاطعاً تزوير نتائج المسابقة ولم يرف له جفن عندما حرمه التمديد من حق الانتخاب أصلاً. 

اللبناني الشهم هاله أن تحظى ساندي تابت بمقاعد كثيرة لعائلتها في الصالة مقارنة بغيرها من المشاركات، لكنه متصالح مع فكرة أن مقاعد الدولة ومؤسساتها يشغلها أشخاص لا أحقية ولا تمثيل ولا فعل لهم على الإطلاق. 

"كل الحق ع ساندي". نعم، هذا صحيح. ساندي تابت فضحت عجزنا، فضحت سطحيتنا وضميرنا المخدّر وضعفنا الذي يجعلنا ننقض على الأضعف فقط لأننا أجبن من أن ننقضّ على الأقوى.

انتهت المسابقة، صار للبنان ملكة جمال إسمها ساندي تابت، لا تحسد على موقفها عندما ستشارك في مباريات جمالية عالمية وتسألها لجنة التحكيم عن الشعب اللبناني والوطن الجميل ومميزات الدولة. 

أما نحن، فبعدما أدلينا بدلونا وانتفضنا واستنكرنا النتيجة، انتظرنا "السيتيرن" لتعبئة خزاناتنا، واستحمينا بعدما أطفأنا البراد والغسالة لندير سخان المياه خوفاً من أن ينقطع "الموتور" ثم تعطّرنا بأفخر العطور، وتجولنا في الشوارع وسط النفايات منتظرين الانترنت البطيء لتحميل تعليقاتنا الساخرة عن ساندي تابت عبر مواقع التواصل. 

للصبية الملكة تاج وصولجان، وللشعب اللبناني طول البقاء في دولة لم يهزها سوى طول وعرض ومقاييس ساندي تابت.