دنيا مسعود ضحية سُعار "الترافيك" الإلكتروني

أحمد ندا
الثلاثاء   2015/05/19
هذه المرة لم "تشتعل" مواقع التواصل الاجتماعي بل "انتفضت"، أمام "تاتو" وضعته المغنية والممثلة دنيا مسعود، ومن ثم وضعت صورته في صفحتها الخاصة في "فايسبوك"، وهو كناية عن عبارة: "خصومة قلبي مع الله.. ليس سواه". بالطبع، لاحقتها التعليقات التي ربما لم تدقق كفاية في الجملة كاملة، بل وقفت عند كلمة "الله" التي أخذت مساحة كافية من تصميم التاتو لتكون في منتصف عين من يشاهده، ولتتوالى الشتائم والاتهامات والدعوات الجماعية بالهداية وما إلى ذلك.

كل ما سبق "معتاد" على صفحات "فايسبوك"، طالما أن صاحب الفعل لم يكن على مقاس المضبطة الشرعية لعموم قاطني مجتمع الموقع الأزرق، زد على ذلك أن صاحبة الصورة/الوشم هي شخصية عامة، معروفة لكثيرين، وإن ابتعدت عن الساحة الفنية ومصر كلها في الوقت الحالي. ثانياً، ورغم طفيلية التعليقات وتدخلها في اختيار صاحبته، وتجاوزها في حقها بأولويات مفروضة اجتماعية وأخلاقية ودينية للرافضين، فإن كل ذلك كان ليمر، لولا بوابة "اليوم السابع" الإخبارية.


صحافية تدعى رانيا علوي، قامت بنقل هذه "المعركة" من ساحات الموقع الأزرق بكل ما فيه، ليتحول إلى خبر في صفحات البوابة، ناقلة الصورة – من دون إذن صاحبتها- والتعليقات الرافضة والشتائم. ربما لم تجد أخباراً أخرى ذات جدوى لنقلها للبوابة الإلكترونية الأوسع قراءة، فسوّلت لها نفسها ملء فراغها المهني بأخبار من "فايسبوك". أو لعلها لم تر في هذا التعدي الوضيع على ما يسمى "مساحة شخصية" وحساباً شخصياً، إلا عدد الزيارات الذي سيزيد قطعاً مع جسد أنقى مزين بكلمات تحتوي كلمة "الله". ناهيك عن جهلها تماماً بصاحب الجملة الشهيرة، وهو ما استدعى تدخل زميل آخر لها، حسين يوسف، ليكشف طلاسم الجملة المثيرة للجدل على حد تعبيره، لنكتشف –وياللهول- أنها من قصيدة للشاعر أمل دنقل (من "مراثي اليمامة").

هل تكتفي "اليوم السابع" بموضوعين نالا أعلى معدلات القراءة في موقعها؟ بالطبع لا، فما يأتي بـ"الترافيك" يُحلَب مراراً وتكراراً حتى يستنفد كل حظوظه. هذه هي سياسة "اليوم السابع" المعروفة للجميع. فقامت الصحيفة الغراء بنشر موضوع ثالث بقلم صحافية ثالثة هي مروى جمال، حوى آراء فنانين في التاتو ومعنى كلماته، وما إذا كان "تجاوزاً" أم لا.

بعد "اليوم السابع"، تلقفت المواقع والبوابات الصحافية الأخرى الخبر، بطموح السطو على "الترافيك" المرتفع للخبر، فانتفضت مواقع التواصل في "البوابة نيوز"، ثم "الدستور" و"التحرير" و"الموجز". وهو ما وضع "بوابو فيتو" في حيرة من أمرها، فكيف لها أن تستثمر ما سبقها إليه غيرها، فسارع الموقع إلى التفتيش في عقيدة دنيا مسعود، طالما أن "الجسد" و"الله" حققا غرضهما، ليخرجوا بعنوان: دنيا مسعود تعلن إلحادها رسمياً على صفحتها عبر "فايسبوك"، وقد توصل الصحافي عبد الله نبيل إلى هذه الحقيقة المذهلة وحده حين تطفل على المعلومات الشخصية لمسعود فوجدها قد كتبت في خانة الديانة "atheist" أي ملحدة، ولعله فكر: طالما أنها تجرّأت ووضعت لفظ الجلالة على جسدها مع جملة "جريئة"، فلا بد أن ثمة مصاباً قد أصاب دينها.

هكذا، تحولت دنيا مسعود من مطربة وممثلة هربت من جحيم إلغاء المساحات الشخصية في مصر، إلى متهمة في مواقع صحافية ذات مُشاهدة عالية.

المواقع الإخبارية تعيش أزمة كبيرة، في ظل سياسات تضع الآنية والسبق قبل المعايير المهنية. كل ما يمكن أن ينشر مع التغاضي عن تجاوزات أخلاقية ومهنية كبرى، سينشر حتماً. عدد الزيارات أو "الترافيك" هو المعيار الوحيد، ولذلك فالبوابات الإلكترونية عامرة بأخبار النميمة والأجزاء المكشوفة من أجساد مشاهير، ونكات "فايسبوك" و"تويتر"، طالما أن هناك جمهوراً يطالع هذه الأخبار، مع عدم إغفال البهارات الأخلاقية والحسبة الاجتماعية التي تضع الشيء ونقيضه في متن خبر ربما لا يتعدى المئتي كلمة، وكأنها تقول لقارئها: تلصص وشاهد ثم اغضب وارفض واشجب. تمعن جيداً في مؤخرة كيم كادراشيان –إذ لا يخلو يوم دون خبر عنها في المواقع المصرية- ثم اكتب تعليقاً "محافظاً" أن الحمد لله على نعمة الإسلام.

والحال، أن مثل هذه الأخبار متواضعة المحتوى ووضيعة المعنى، تقوم بتشريح اجتماعي وأخلاقي للجسد. مثلما تقوم الدولة بتشريحه السياسي من طريق إخضاعه لمجموعة من النظم، وقد انسحق تماماً عبر تاريخ هذه الدولة، وكل تطوارتها وهيمناتها قامت عليه. فإن ما تفعله مثل هذه الأخبار هو إخضاعه لسلطتها الأخلاقية، ما يجوز كشفه وما لا يجوز، الجسد بما هو تمثيل لضوابط تعطي لمثل دنيا مسعود "هويتها" المصرية المسلمة. وما تفعله هذه الأخبار هو مغازلة هذه المنظومة القيمية لغرض ربحي.

(*) ملاحظة: تخلو هذه المقالة، على عكس جاري عادتنا، من الروابط الالكترونية للأخبار والمقالات محلّ التعليق، تحاشياً للمساهمة في تكريس "الترافيك" الذي يتفاقم سُعاره، لا سيما حين يكون رقم المشاهدات والمشاركات هو الهدف الوحيد لتلك المقالات المجافية للأخلاق الإنسانية والأصول المهنية.