حماس تنتصر وحدها

عامر أبو حامد
الأربعاء   2014/08/27

ما إن أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار متضمناً فتح المعابر الإسرائيلية ووضع قضايا الأسرى والميناء والمطار على أجندة المفاوضات، حتّى امتلأت مواقع التواصل الإجتماعي بأهازيج النصر. هاشتاغ #غزة_تنتصر في "تويتر" و"فايسبوك"، إمتلأ بتغريدات النصر وصور الإحتفالات في شوارع غزة. أنصار المقاومة ما انفكوا يكررون إنجازات حماس، التي قال المتحدث الرسمي باسمها بأنها هي من أصبحت تحدد للإسرائيليين زمن بداية الحرب ونهايته.

على النقيض من كلمات أبو مازن الموجزة وغير الخطابية، جاء المؤتمر الصحافي لحركة "حماس" مدوياً. أعلنت النصر الساحق للمقاومة. إعلامياً، لم يختلف خطاب المقاومة الفلسطينية وحلفائها في الساعات التالية لإعلان الهدنة في غزة عمّا ألفنا سماعه في الأيام الخمسين الماضيين من الحرب المتواصلة على القطاع المحاصر. النصر الذي فرضته وسائل الإعلام على غزة منذ يومها الأول، هو حتماً النتيجة الطبيعية لهذا الترويج. الغزيون المنكوبون بأكثر من ألفي شهيد، وإحدى عشر ألف جريح، ومئات ألوف المشردين من منازلهم، لم يخفوا فرحهم بانتهاء المأساة. فيما حماس لم تخفِ نيتها بأن تحيل هذا الفرح العفوي إلى انتصاراتها العسكرية.

النصر الحمساوي لم يحمل جديداً على صعيد مفهوم النصر بشكله المجرد. القنوات الفضائية المقربة من الحركة، راحت تكرّر الأقاويل عن "أطول حرب عربية اسرائيلية"، وعن "الصمود الاسطوري لأهل غزة ومقاومتها". النصر لم يكن واضحاً، بدا بحاجة إلى تبيان وجهد من قبل وسائل الإعلام كي يكون مقنعاً. وهذا ما لم يترك مجالاً إلا لتبني خطاب المقاومة الإسلامية في غزة بحرفيته. فراح المراسلون والمحللون على قناة "الميادين" الفضائية يعددون الانتصارات من رتبة إكراه ملايين الإسرائيليين على النزول إلى الملاجئ، والقضاء على نتنياهو سياسياً، وإحراج الحكومة الإسرائيلية.

في المقابل يتم المرور على أرقام الشهداء الفلسطينيين ومأساتهم سريعاً. ومن باب الصمود المقاوم، لا مكان للحزن أمام السعي اللاهث وراء النصر. الكاميرا التي ترصد الفلسطينيين في قطاع غزة في الحرب وبعدها، لا تصورهم كبشر مكلومين أو كضحايا حرب مثلهم مثل جميع المدنيين الذين يدفعون تكلفة الحروب، بل تصادر حزنهم وتؤطرهم في مشاعر موجهة.

الكاميرا تذهب بمهمة حربية أخرى لتجعل الفلسطينيين يتحدثون عن موتهم وعذاباتهم اليومية في سياق الانتصار. تجعلهم منتصرين رغم كل هزائمهم النفسية، فينزلون إلى الشوارع ويهتفون للمقاومة. على اختلاف الظروف، الأسلوب الإعلامي هذا يبدو مألوفاً لدى نظام بشار الأسد حليف حماس السابق.

بالتأكيد لا يمكن إنكار الصمود المذهل للغزيين في وجه آلة القتل الإسرائيلية، لكن هذا الصمود لم يكن خياراً منذ اللحظة الأولى للحرب. حماس، كما يرى كثير من خصومها، لم تأخذ إذن رعيتها في قرار الحرب وكذلك الحال في قرار إعلان النصر. رغم قلة هذه الأصوات في وجه الماكينة الإعلامية الداعمة لحماس، تظهر على مواقع التواصل الاجتماعي طارحةً أسئلة حول هذا النصر وحول الحرب برمتها. تعلق الإعلامية اللبنانية ديانا مقلد: "هلق اذا هيك الإنتصارات فكيف ممكن تكون الهزائم!!!" بينما علّق الكاتب السوري خلدون النبواني على صفحته في "فايسبوك": "انتصار حماس في غزة يشبه انتصار حافظ الأسد في حرب تشرين 1973...ما أصغر انتصاراتنا".