تطيير السلسلة: التخويف بالنموذج اليوناني لاخفاء الأزمة الاقتصادية؟

خضر حسان
الجمعة   2017/09/08
تنفيذ قانون الضرائب رهن بقرار المجلس الدستوري (المدن)
تحوّل النقاش في لبنان من ضرورة إقرار سلسلة الرتب والرواتب والضرائب الملحقة بها بهدف تمويلها، إلى التلويح بضرورة تطيير قانون السلسلة، ما لم يُنفّذ قانون الضرائب معها.

تأييد ضرورة عدم تنفيذ قانون السلسلة نابع من استحضار التجربة اليونانية. فوفق وزير الإعلام ملحم رياشي، فإن "معظم الوزراء اتفقوا"، خلال جلسة الحكومة، الخميس في 7 أيلول، على أنه "إذا أوقف قانون الضرائب ستتوقف السلسلة حكماً، كي لا يصيبنا ما أصاب اليونان".

كلام رياشي لم يلقَ الحماسة نفسها لدى وزير الزراعة غازي زعيتر، الذي أكد في حديث إلى "المدن"، أن "الحديث عن السلسلة جاء على هامش الجلسة، ولم يُطرح للنقاش الجدي. وكان الحديث عن انعكاسات عدم إقرار قانون الضرائب على السلسلة، لكن لم يتطرق أحد إلى تفاصيل الملف". بالتالي، رأى زعيتر أنه "من المبكر استباق الأمور والحديث عن عدم تطبيق قانون السلسلة، خصوصاً أن المجلس الدستوري لم يُبطل قانون الضرائب، إنما أوقف العمل به إلى حين البت بالطعن بشكل نهائي في 18 أيلول".

بعيداً من جلسة الحكومة، لا يبدو لبنان بعيداً من التجربة اليونانية. فاليونان كشفت عن أزمتها بعد سنوات من إنكارها على المستوى الداخلي وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي. والإنكار هو عدم الاعتراف بالوقوع في العجز وعدم القدرة على إيفاء الديون. ما دفع الحكومة اليونانية إلى طلب المساعدة والإستدانة من صندوق النقد الدولي، الذي سارع إلى فرض شروطه، وأولها سياسة التقشف، فكانت الأزمة التي أنذرت بخروج اليونان من الاتحاد الأوروبي في العام 2015.

حينها، ارتفعت أصوات اقتصادية لبنانية تحذر من استيراد سيناريو اليونان إلى لبنان، وأولهم الخبير الإقتصادي جاسم عجاقة الذي أشار في حديث إلى "المدن" إلى أن "لبنان يخفي حقيقة عجزه المالي الذي يزيد عن الأرقام المعلنة في الموازنة العامة، بقيمة لا تقل عن ملياري دولار". يضيف عجاقة أن السلطة السياسية "لم تضع السلسلة وخطة الكهرباء في الموازنة، كي لا يظهر العجز الحقيقي. فكلفة السلسلة 800 مليون دولار، فيما كلفة خطة الكهرباء نحو 850 مليون دولار".

وإذا كان تنفيذ قانون السلسلة من دون تأمين موارد سيؤدي إلى زيادة الإنفاق الحكومي من دون الحصول على مداخيل، بالتالي ارتفاع نسبة العجز، لا يستبعد عجاقة طلب لبنان حينها المساعدة من صندوق النقد الدولي الذي سيشترط البدء بتنفيذ سياسة التقشف. فالأجدى إذاً "إعلان حالة التقشف ذاتياً، وعدم القبول بفرضها من الصندوق بعد الاستدانة منه".

التقشف يمكن أن يبدأ بطريقتين. "أولاً إاجراء تخفيض بنسبة 1% على كل بنود الموازنة، وثانياً، معالجة الأزمات، وعلى رأسها أزمة الأجور وأزمة قطاع الكهرباء. لكن ذلك يتطلب قراراً سياسياً من الصعب حصوله قبل الانتخابات النيابية".

الحقائق الإقتصادية لا يمكن تدوير زواياها على غرار المواقف السياسية، فالأخيرة خاضعة للتجاذبات والتسويات، ولا مفاعيل لها إلا بحدود ما تريده السلطة. في حين أن وقوع البلاد في العجز المالي، يرتب مفاعيل لا يمكن السيطرة عليها بالتسويات السياسية، بل بالاجراءات الاقتصادية العلمية. وهذه الحقيقة لم يستسغها بعد أهل السلطة، حتى أثناء تحذيرهم من أزمة مشابهة لأزمة اليونان، بل يصر هؤلاء على تأجيل الاصلاح الاقتصادي، وتغليب الصراع السياسي قبيل الانتخابات على الاصلاح. لكن، أكثر ما يقلق هو الابتزاز الحاصل في طرح السلطة للمعادلة الثلاثية "إما الضرائب وإما تطيير السلسلة وإما أزمة اليونان"، في حين يغيب طرح الإصلاحات أو فرض ضرائب عادلة.

وإلى حين التطرق رسمياً إلى تشبيه الحالة اللبنانية باليونانية، يبقى أمام السلطة تنفيذ القانون الذي أقرته، ودفع السلسلة في نهاية أيلول الجاري.