سليمان بختي لـ"المدن": نغامر بمكتبة جديدة في الحمرا...فالأمل خبزنا

حاوره: محمد حجيري
الأربعاء   2023/03/15
الكتاب لا يموّل نفسه، ولا دار النشر ترسمل نفسها... نلجأ لصيغ مستحيلة كي يصدر كتاب
افتتح الكاتب والناشر سليمان بختي، مكتبة "الدار" في شارع الحمرا(رأس بيروت)، والأمر يعتبر مغامرة الآن، في مرحلة التصدع والتحلل الاقتصادي، وتقلص بيع الكتب، لكن الأمر بالنسبة لصاحب "دار نلسن" يأتي كنوع من شغف. فهو الكاتب في بعض الصحف، في أمور تتعلق بالحياة الثقافية اليومية والموسمية، والناشط من خلال المشاركة في العديد من الندوات، وبإزاء هذا تبدو المكتبة ملتقى يومياً للتواصل والتحاور.
أجرت معه "المدن" هذا الحوار... وهو ضمن سلسلة حوارات ومقالات سنقدمها في "المدن"، حول دور النشر والكتب والمكتبات وحقوق المؤلفين في الزمن الصعب.

- ما الذي دفعك إلى افتتاح مكتبة في منطقة الحمرا رأس بيروت.. في هذه المرحلة الصعبة.. فعدا عن إقفال المكتبات أو تقلصها لأسباب متعددة، هناك الأزمة الاقتصادية الطارئة؟

* لعل الدافع الأساسي لافتتاح مكتبة في زمن إقفال المكتبات هو محبة الكتاب. ورؤية الجزء بالمجموع. هو صفعة على وجه العالم الجاهل، بحسب بورخيس. وافتتاح مكتبة في الحمراء ورأس بيروت، بمعنى ما، هو استمرار لتراث هذه المنطقة الثقافي التي عرفت الجامعات العريقة، قبل اكثر من قرن ونصف القرن، وعرفت المكتبات والمراكز الثقافية والمقاهي والمسارح وصالات السينما. شكلت لنا هذه المنطقة رئة ثقافية وحضارية وإنسانية نادرة. رغم ثقل الأزمة السياسية والاقتصادية، لا بد من الأمل. لا بد من النهج على خطى الأسلاف. لا بد أن يكون للكتاب دوره ومكانته في حياتنا، وليس من سقط المتاع. ربما هي خطوة عكس التيار، لكن كل شيء مهم يتحقق في الحياة، يأتي من تحدي الظروف ومجابهة الصعاب. كل مكتبة هي نافذة معرفية تمس وجودنا المعنوي والروحي. ليس بالخبز وحده يحيا الانسان، وبالتاكيد هناك حياة مع الأفكار والكتب ومناحي الجمال، وهناك من يعيق الوصول إلى ذلك. سنظل نسعى إلى كتاب جديد وحبر جديد لأن رأس المال الرمزي هذا هو جزء أساسي من هويتنا الحضارية.

- هل ستتحول مكتبة "الدار" إلى مكتبة كل شيء؟ أم أن تركيزها سيقتصر على كتب "دار نلسن"؟

* ستتحول المكتبة الى كل شيء يمكن أن تتحول إليه. مكتبة كل شيء. مكتبة الدار. سبيل للتلاقي. ستتحول إلى عصفور أو شجرة. في المبدأ، هي واجهة لكتب "دار نلسن"، وهي أيضاً مكان لكتب شبيهة بما تنتجه "نلسن" أو يتكامل معها. مشروع الكتاب في بلادنا يحتاج الى جهود كثيرة. وأحسب أن المكتبات ورفوفها العامرة بالكتب، تسهم في عودة الكتاب الى حيز الضرورة والمعرفة والحرية. أو، كما كان يقول ميخائيل نعيمة، أهمية المكتبة في البيت أو في الشارع بأهمية وجود طاولة الطعام.

- إلى أي مدى أثّرت الأزمة الاقتصادية في سوق الكتاب؟

* يعاني المجتمع اللبناني أزمة خانقة تجعله أسير الضرورات الاساسية في الحياة، وكلفة المعيشة اليوم تؤثر في كل شيء. أرى فورة في سوق الكتاب المستعمل بسبب الأزمة الاقتصادية. حتى المراجع الأكاديمية صارت خاضعة لمنطق النسخ والتنزيل وذلك لأجل التوفير. لكن صدقني، في النهاية الكتاب ليس ملك من يكتبه او ينشره أو يبيعه أو يشتريه، بل هو ملك من يحتاجه. علينا أن نفسح الطريق أمام الكتاب ولا نتركه وحيداً. وهذه مسؤوليتنا جميعاً.

- هل يمول الكتاب نفسه في هذه الأيام؟

* من الصعب القول إن الكتاب يمول نفسه، أو أن دار النشر يمكن أن ترسمل نفسها في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة. ترانا نلجأ إلى صيغ كثيرة ومستحيلة لكي يرى الكتاب النور. يذكرني ذلك بما قاله أبو نواس تَعجَبينَ مِن سَقَمي. صِحَّتي هِيَ العَجَبُ. لكن كل كتاب يصدر اليوم في بيروت هو علامة وجود وخطوة في طريق النور. وفي رأيي الكتاب ليس قضية كاتب أو ناشر، بل هو قضية مجتمع برمته. قضية المعرفة والتقدم والتغيير في بلادنا.

- هل تعتبر أن بيروت ما زالت عاصمة الكتاب؟

* ما زالت بيروت تملك النبض والحس والتراث الذي جعل منها عاصمة للكتاب وعاصمة للثقافة العربية. لكن ما يذهلني حقاً، أن بيروت، ورغم الضربات التي تلقتها متل انفجار المرفأ والانهيار الاقتصادي، تحاول النهوض من جديد. وأرى أن الثقافة تحيي المدينة. ربما ليس بالحجم الذي كان، لكن بالعزيمة والأمل والحرية نتلمس الطريق. عرف لبنان المطبعة منذ العام 1610، وعرف المدارس والجامعات والترجمة والانفتاح على الآخر المختلف. هذه مدينة مصنوعة من لحم ودم وعرق ودموع ومغامرات. في رأيي هي قادرة على اليقظة والنهوض والريادة والوقوف من جديد.

- لماذا تركز على طباعة كتب مرحلة التنوير؟

* اهتمامي بالكتب التنويرية المرتبطة بعصر النهضة مردّه اعتقادي وإيماني بأن عصر النهضة ورموزه هي الدائرة المتلألئة بالنور. دائرة الأمل والتقدم والإصلاح. وهذه المرحلة فيها كتب وكنوز وطروحات ما زالت تؤثر في حياتنا راهناً. كلهم تمتعوا بالنزاهة الفكرية والاخلاقية والوطنية والتزموا بقضية الانسان والمجتمع والحرية. التنوير بحاجة إلى تنويريين والظلام ما زال كثيفاً. لا بد أن نعيد التواصل والتفاعل مع رموز عصر النهضة والتنوير بما يرسخ الوعي بتكامل هذه الجهود في الماضي والحاضر والمستقبل.

- ما المشاريع المرتقبة للدار؟

* هناك مشاريع وأحلام وكتب وسنسعى لإصدارها في القريب. هناك كتاب جديد للشاعر شوقي ابي شقرا، يقدم ترجمات لرامبو ولوتريامون وريفردي، مع مقدمة لترجمة الشعر والترجمة في مجلة شعر. هناك كتاب لنصوص غير منشورة ليوسف الخال. وكتاب عن الولاة العثمانيين لولاية بيروت. وكتاب تحية للكبير بطرس البستاني، وهو خطبة في آداب العرب. ومشاريع كتب كثيرة أتمنى ألا تنتهي أبداً قبل أن نراها تمشي في نور المعرفة وتخطو خطواتها الملكية في وجه الشمس. وتجعل أيامنا وبلادنا أحلى وأغنى وأحسن بقيم المعرفة والحق والخير والجمال.

- ما الوصية التي تركها الناشر الراحل يوسف سلامة حول مشروع "دار نلسن"؟

* ترك الصديق الغائب الحاضر، يوسف سلامة، أكثر من وصية. ترك لنا المثال الذي يحتذى. ترك لنا أعماله وآثاره المختلفة والمتجددة.. ترك لنا الشغف بالكتاب في المضمون والشكل. ترك لنا أكثر من انغماس وآخر في الحياة. تراني كل يوم أسال نفسي: لو أمد الله بعمره، كم كنا سنضحك. وكم كنا سننتج من الكتب المميزة والمختلفة. كان يوسف سلامة ظاهرة حضارية في الكتابة والنشر وفنان صداقات.