قتل أيمن الظواهري... الرامبوية المتقاعدة

محمد حجيري
الثلاثاء   2022/08/02
أيمن الظواهري
العمليات الرامبوية التي تقوم بها الولايات المتحدة، ضد شخصيات في تنظيم "القاعدة" أو تنظيم "داعش"، بدءاً من أسامة بن لادن، مروراً بأبي بكر البغدادي والآن أيمن الظواهري، ورغم أنها ملحّة، إلا أنها باتت مسرحيات ركيكة هزيلة، لا تغني ولا تسمن.

فأميركا، بنسخها المتعدّدة في عهود أوباما وترامب وبايدن، وقبلهم الرئيسان بوش، تتخلّص من مسوخ فرانكنشتانية تمردت على خالقها، فما فعلته السياسات الأميركية المتعاقبة، وبالتعاون مع بعض الأنظمة العربية والدولية، وتحديداً خلال مرحلة "الحرب الباردة"، هو أنها ساهمت في خلق أرضية واسعة للتنظيمات الجهادية كوسيلة لمحاربة الشيوعية، وكان أن تحوّل هؤلاء (الأفغان العرب بحسب التسمية) لاحقاً، إلى أدوات لمحاربة كل شيء والفتك بكل شي، وكانت الذروة في الهجوم على برجي مركز التجارة العالمية في نيويورك العام 2001، ولاحقاً تدمير مدن العراق وسوريا، بالتشابك والتآزر مع المَحاور والدول والأسد وخامنئي وبوتين و"التأمل" الفرنسي الاميركي والأوروبي، وهذا بالطبع، لا ينفي أن الإسلام السياسي يتضمن نواة تؤسس لمشاريع الإرهاب والتطرف ورفض الآخر.

وأميركا جو بايدن، التي غادرت أفغانستان مرغمة، بعد عجزها عن بناء نظام موالٍ لها وعجزها عن القضاء على التمدّد الطالباني، والتي تركت هذا التنظيم يحتفل بهمجياته ووحشيته، تعلن اليوم فرحتها الرامبوية باغتيال أيمن الظواهري(71 عاماً)، وقبل ذلك أعلنتْ فرحتها باغتيال البغدادي، الذي خُلق من ركام العراق بعد الغزو الأميركي لبغداد والتمدّد الإيراني وسطوع الهويات الطائفية. وحتى الآن، لا نفهم كيف خلق تنظيم داعش (وهو شركة مساهمة كما يقال) ومَن موَّله وشكَّله وحوَّله أداة لخراب المدن والمجتمعات والتهجير الديموغرافي.

أيمن الظواهري "الطبيب" و"الشيخ الجهادي" يعتبر نموذجاً فاجراً للإسلام السياسي وتحولاته وعلاقة الأنظمة به وعلاقة الاسلام السياسي بالأنظمة. ثمة نفاقية بارزة ومعقدة في هذا المجال، بدأت منذ بروز الاسلام السياسي في مصر، ولم تنته مع بروز تنظيم داعش في سوريا والعراق. دائماً، كانت الأنظمة تتحالف مع الإسلام السياسي لغاية في نفس يعقوب، فمرة يستعمله الملك المصري في مواجهة حزب "الوفد"، ومرات يوظّفه أنور السادات في محاربة اليساريين، ومرات ومرات في مواجهة الشيوعيين. في سوريا، وُجد تنظيم "داعش"، ومعه فروع "القاعدة"، للقضاء على الثوريين والفتك بصورتهم...

الظواهري بصورته الباهتة وشخصيته "الصوتية" الفاقدة للكاريزما، يختصر "الإسلام السياسي" في نسخه وفروعه وروافده. فهو ولد في جنوب القاهرة بمصر، يوم 19 حزيران/يونيو 1951، وسط أسرة كانت تصنف ضمن الطبقة المتوسطة. وبحسب موسوعة "بريتانيكا"، فإن الظواهري ولد لأبوين من أسرتين مرموقتين، لكنه نشأ على غرار أقاربه في وسط وُصف بـ"المتواضع". ويقول عارفون بسيرته، إن علامات تشدّد بدأت تظهر عليه وهو ما زال يافعاً، فأسّس، وهو في الخامسة عشرة من عمره، جماعة راهنت على إسقاط الدولة بذريعة إنشاء "حكم إسلامي". تابع دراسته، فالتحق بجامعة القاهرة، حيث درس الطب واختص في الجراحة، بينما كان حريصا على مواصلة أنشطته السرية، وهو ليس ابن الفقر وليس ابن البؤس وليس ابن المجموعات المهاجرة في نواحي المدن الأوروبية أو الأميركية. تخرج الظواهري العام 1974، ثم خدم ثلاث سنوات بمثابة طبيب، وبين العامين 1980 و1981، عمل في مجال الإغاثة مع منظمة الهلال الأحمر في بيشاور الباكستانية، حيث عالج المصابين في حرب أفغانستان. اعترف الظواهري بأنه ما كان له أن يسافر إلى أفغانستان إلا من خلال "الإخوان المسلمين" الذين انتمى إلى جماعتهم قبل انشقاقه ومزايدته في التطرف.

بمعنى آخر، الإسلام السياسي يفرخ فروعاً وأشكالاً، ذلك أن الظواهري قبل أن يلتحق بأسامة بن لادن، كان من الناحية "الفكرية" يستلهم سيد قطب، إذ يقول: "العمليات المسلحة هي انعكاس حقيقي لأفكار سيد قطب، زعيم الإخوان وعضو مكتب إرشاده السابق".

والإرهابي الثاني، ثم الأول في تنظيم "القاعدة"، ذهب في صولات وجولات. فلدى عودة الظواهري إلى مصر، كان بين مَن اعتقلتهم السلطات المصرية على خلفية اغتيال الرئيس المصري، أنور السادات، العام 1981 (السادات نفسه الذي دعم الإسلاميين للتخلص من اليساريين، سقط ضحية سياسته). وتمت إدانة الظواهري، وقتئذ، بالحيازة غير القانونية للسلاح وحُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات. وفي 1984، أطلق سراحه، ومكث لفترة ثم غادر إلى باكستان، وبعدها إلى أفغانستان. ومرّ بالسودان والشيشان واعتقلته السلطات الروسية ولم تنتبه لهويته إلا بعد مدة، وفي المحصلة قتلته مسيّرة في شرفة منزله في كابول.

كأننا في عملية إغتيال أو قتل الظواهري، نتابع فيلم رامبو (الرمز الأميركي) الأخير، إذ ظهر باهت العضلات وهي "الفضيلة الوحيدة التي امتلكها" ممثل الدور سيلفستر ستالون، كما يقول الناقد زياد العبدالله، الذي يورد في بداية مقاله "لا بد أن عامل الزمن ومروره المؤلم على وجه ممثلة يدفع بعشاقها إلى أسى ما، إلى الغرق بحنين إلى ما كانت عليه بعدما بدأت تنوء تحت علامات تقدمها به".

وبإزاء هذا، شخصية بادين التي تحتفل بقتل الظواهري، لا تعاني من عامل الزمن فحسب، بل يغلب عليها النعاس.